كتاب «نبيل القعيطي .. شهيد الكلمة..ابتسامة وطن» – الحلقة الثانية ( مشوار النبيل الإعلامي.. مشوار مرير حافل بالعطاء )

لم يكن مشوار نبيل القعيطي الإعلامي مفروشاً بالورود والرياحين، إنما مليء بالحروب والأزمات والمواجهات العسكرية والصدامات الأمنية والانتهاكات والاعتقالات والتهديدات، ومحفوف بالمخاطر، وهو مشوار طويل ومرير بطول ومرارة نضالات الشعب الجنوبي ضد صلف الاحتلال اليمني، ومتعرجات مراحل القضية الجنوبية بمرحلتيها السلمية والحربية؛ بدأه ببسمة فتى يانع بعمر الزهور متطلعاً لغد جميل في ساحة العروض بين صفوف الحراك السلمي الجنوبي، وختمه ببسمة عريضة تزين محياه وهو بجانب كاميرته الحربية أمام منزله بعدن، وهو متوجه إلى جبهات العز والشرف ليخوض غمار معركة الحسم الجنوبي لاجتثاث شأوة الإرهاب بين صفوف القوات المسلحة الجنوبية.
نبيل القعيطي بين صفوف الحراك السلمي الجنوبي (2007- 2015م)
كانت بداية الصحفي والمصور الحربي الدولي نبيل القعيطي مصوراً فوتوغرافياً هاوياً لفن التصوير، وجد ضالته بين صفوف الحراك السلمي الجنوبي منذ انطلاقة حركته في يوليو 2007م، وكان حينها يبلغ من العمر واحداً وعشرين عاماً، فتى يافعاً يعج نشاطاً وحيوية ومتطلعاً لغد جميل في زمن فرضت فيه سلطة صنعاء على مدينته عدن وضواحيها طوقاً أمنياً وسوراً من المعسكرات لتكتيم أفواه نشطاء الحراك السلمي الجنوبي وإعلاميه. وهذا ما أكده القعيطي بنفسه في مقابلة صحفية أجرتها معه دنيا حسين فرحان في 13 مارس2017م، حيث قال “بدأت في عام 2007م، وأول وسائل إعلامية نشرت فيها صحيفة الأيام وقناة يوتيوبية وتقريبا كان بث أول فيديو لي في 2008م قناة عدن لايف”.
وبحسب كلام رفيق دربه بسام القاضي “بدأ نبيل القعيطي مسيرته الإعلامية مع بدء الحراك السلمي في جنوب اليمن بالمظاهرات والاحتجاجات والمطالبة بفك الارتباط عن شمال اليمن، والعودة إلى ما قبل وحدة مايو 1990م، وكان من أوائل الإعلاميين الذين رافقوا مسيرة الحراك الجنوبي منذ 2007م، ولم يكن خريج إعلام ولا أي كلية جامعية أخرى، اكتفى فقط بتعليمه الثانوي، وكرس حياته لتغطية الاحتجاجات والفعاليات السلمية الجنوبية في كل ربوع جنوب اليمن من عدن ولحج وأبين والضالع إلى شبوة وحضرموت والمهرة، ورافق مسيرة ثورة الجنوب لسنوات، فما من فعالية أو مسيرة أو مليونية للحراك إلا وكان نبيل القعيطي حاضراً فيها، موثقاً الانتهاكات التي تعرض لها شعب الجنوب على أيدي قوات نظام صنعاء والمخلوع صالح”.
وكانت طبيعة عمل نبيل القعيطي بين صفوف الحراك السلمي ثورية، برز كثائر جنوبي وهو يشق الصفوف الأولى لالتقاط الصور المعبرة عن القضية الجنوبية، وبرز أكثر من مرة وجهاً لوجه أمام فوهات بنادق سلطات الاحتلال اليمني القمعية ومجنزراتها التي تطلقها بلا هوادة لقمع الاحتجاجات الشعبية والمسيرات السلمية، وصودر تلفونه وكاميرته أكثر من مرة، وصوب عليه فوهات البنادق في أكثر من موقف، وكان النشاط الثوري طاغياً على طبيعة عمله الإعلامي. يقول رئيس الدائرة التنظيمية في الأمانة العامة للمجلس الانتقالي الجنوبي منصور زيد في شهادته التاريخية عن طبيعة عمل نبيل القعيطي بين صفوف الحراك: “كنا أثناء فترة النضال السلمي الجنوبي التحرري نتحرك ونتنقل من مكان إلى آخر لحضور الفعاليات السلمية في كل مناطق الجنوب، ونواجه المحتل وجنوده بصدور عارية، فتعرفت على الثائر نبيل الذي كان حاضراً المسيرات والفعاليات بقوة، ليس ذلك فحسب بل وداعماً للشباب، وكانت سيارته المتواضعة السوزكي في يد ومتناول شباب الجنوب، يستخدمونها في التنقل، وكذلك في الإعلام، وكان يقدم مشاركته في الفعاليات الجنوبية في عدن وخارج عدن على عمله الذي يقتات منه هو وأسرته”.

أمام إحدى المجنزرات للاحتلال اليمني فترة التصعيد الثوري للحراك السلمي
وكانت أدوات نبيل الإعلامية في مرحلة الحراك السلمي أولية وبسيطة، عبارة عن تلفون نقال، ثم كاميرا ديجيتل ملء كف اليد أهديت له من أحد أقاربه، وفي هذا الإطار يقول النبيل ضمن مقابلته الصحفية مع دنيا فرحان: “كنت أول الأمر استخدم الهاتف في تصوير الفعاليات والاعتصامات والمسيرات في عدن والمحافظات المجاورة، ونقوم بنشر الأخبار في مواقع وصحف محلية، وبعد مرور عام بدأت التعامل مع الكاميرا، وكان حين ذاك تعتيم إعلامي عن واقع الأحداث في الجنوب”.
الانتقال إلى مرحلة النشر والتوثيق الإلكتروني (2010- 2015م)
لم يكن نبيل القعيطي بداية الحراك السلمي الجنوبي يعمل لمحطة إعلامية بعينها، ولم يكن لديه مشروع إعلامي واضح أو مؤسسة إنتاج وتوثيق، كان يرسل مادته التصويرية للقنوات الفضائية ووسائل الإعلام المحلية وغيرها بدون أي مقابل مادي، وكانت مواده الإعلامية متاحة للنشر، وبحسب بسام القاضي “حبه للجنوب وقضية شعبه العادلة الدافع وراء ذلك، وأول صحيفة محلية نشرت الصور التي التقطتها عدسة نبيل هي صحيفة الأيام في 2007 م، وأول قناة تعرض له فيديو هي قناة عدن لايف في 2008م”، وهذا ما أكده القعيطي بنفسه خلال حواره السالف الذكر مع الصحفية دنيا حسين فرحان.

ومنذ 2010م، كانت صفحات نبيل القعيطي في الفيسبوك وتويتر واليوتيوب هي محطاته الإعلامية للتوثيق والنقل، وهذا ما صرح به نبيل في مقابلته الصحفية مع دنيا فرحان قبل رحيله بثلاث سنين، حيث قال رداً على سؤال الصحفية عن أعماله أثناء الحراك: “كان عملي يتناول الأحداث والقضايا بشكل عام اجتماعية، سياسية، عسكرية، اقتصادية، وغيرها، وفي السنوات الأخيرة كان نشاطي الإعلامي بشكل مكثف في شبكات التواصل الاجتماعي؛ يوتيوب، فيس بوك، إضافة إلى المواقع والصحف المحلية”، وكذلك صرح بسام القاضي لصحيفة “الفجر” المصرية بعد رحيل القعيطي بأيام، بالقول: “منذ 2010م برز نبيل القعيطي إعلامياً بشكل أكبر، وبدأ نشاطه الإعلامي ينتشر على شبكات التواصل الاجتماعي؛ فيسبوك، ويوتيوب، وتويتر وغيرها، ولم يكن عمله الإعلامي في هذه المواقع مقتصراً على جانب واحد، إنما كان يسير في كل الاتجاهات، ويتناول الأحداث الهامة والقضايا الساخنة، على المستويات كافة؛ الاجتماعية، والسياسية، والإنسانية والعسكرية، والاقتصادية”.
ويؤكد قوله الباركي الكلدي، وهو ناشط سياسي وإعلامي جنوبي في مواقع التواصل الاجتماعي، وقيادي في جمعية أبناء الجنوب العربي، حيث قال: “عرفت نبيل القعيطي في 2010م ثائراً ناشطاً يتدفق في عروقه الحب والانتماء والغيرة على وطنه، كنت حينها أدير بعض المواقع الإخبارية والمنتديات، فكان تواصلي باستمرار مع كل الشباب والناشطين في الداخل لمتابعة كل حدث وكل جديد ونقله إلى المواقع والمنتديات… وكان نبيل لا يجيد الكتابة الصحفية إلا أنه كان مصوراً محترفاً يملك الجرأة والشجاعة والإيمان بالقضية، ويقتحم أماكن لا يصل إليها أحد لخطورتها، ويقوم بتغطية الأحداث وإرسالها لي أول بأول، فأكتب على ضوئها عدة مقالات ومنشورات، كان بمثابة المراسل لدى جمعية أبناء الجنوب العربي، وعمل لدينا مسؤولاً إعلامياً إلى جانب رفيق دربه عبدالله العولقي، وكان عمله عظيماً ليس إعلامياً بل في مجالات عديدة ومختلفة”.
وفي “قصتي مع الشهيد نبيل القعيطي”، الموقع الذي وضعه أصدقاؤه لعرض قصصهم وذكرياتهم التي جمعتهم به، يقول رشاد المحوري “قصتي ومعرفتي بالشهيد نبيل القعيطي في أول لقاء بيننا كان في السوم بمحافظة حضرموت مطلع العام 2011م، وتحديداً عند ظهور تطبيق الواتساب, كانت البداية مراسلات عبر الخاص نحن والأخ المناضل علي بالعبيد- حفظة الله ورعاه من كل شر- قبل أن يتم إضافتي في جروب يتسع لعشرة أشخاص فقط يضم القيادي عبدالرحمن الجفري، والقيادي أحمد عمر بن فريد، والربان عبود خواجة، والباركي الكلدي، وبدر المشجري، والشهيد نبيل القعيطي- طيب الله ثراه- ومن هذا الجروب استمر التواصل بيني وبين الشهيد نبيل القعيطي، وتوطدت علاقتنا أكثر عند انضمامي لمجموعه أبناء الجنوب العربي الذي يرأسها الباركي، ويشرف عليها الربان وكان القعيطي أحد أعضائها، كنت دائماً أمد نبيل بالأخبار من محافظة حضرموت، ويقوم بتنزيلها على المواقع الإخبارية باسمي المستعار أبو العز الفضلي لكوني أحد أفراد الأمن بحضرموت، فقد أتعرض للمساءلة العسكرية وقتها إذا ظهر اسمي الحقيقي”.




