قصيدة في الغزل للشاعر عبدالله محسن الجعشاني. وتعليق عام عليها

قصيدة في الغزل للشاعر
عبدالله محسن الجعشاني.
وتعليق عام عليها.
اولا : النص .
يالله يامن على العرش ارتوس
من فوق سبع حجب متوافقة
مضوي نهارك وليلك مندمس
واخلف عكس بعد شمس فاتقة
وامسيت ساهر وطرفي مانعس
من دقت اثنعش لما شارقة
من ذي اتاني بقامة ملتبس
كسوة خيار القماش النافقة
ناسع جعيده برجله يندعس
هيهات كم له سين متفرقة
حتى النظر من جبينه ينعس
حواجبه ملتقي متوافقة
ومرعفه سيف هندي منطمس
مطلي ذهب كل يوم يفتقه
اوحيت لحمي على عظمي يبس
ساعة شحر بالعيون المحرقة
ولا تكلم رجع لي ميت حس
محلى حلاوة لسانه محذقه
ومبسمه قال قلبي المهتجس
بارق لمي من وسحايب آدقة
والعنق اتريك لاصي كم يجس
طفى فوانيس كانت عالقة
والصدر ميدان للضمور نفس
حل المحف للخيول المعنقة
وكعوب رمان ناجح لاتمس
من كان ميت لازم يعتقه
والخصر خيتم بربه محترس
من كل شيطان حاسد يرمقه
والعجز مركب على الفرضة يجس
حربي وغواص ما حد يسبقه
يامن حفظت الدغل لايبتقس
في بحر هايج وغبة مغرقة
صفي جنا ياذهب ما تفتحس
من صرف خمسين فضة ناطقة
وقلت له كم تجس مني حمس
من بيده البحر قل له يطلقه
وانا محلي بشامخ مرتوس
والعز بشعابه المتعلقة
ببحث عن الساس لا شفته عمس
ما بأمن اركانه المتشقشقة
شيب بقلبي من الهرج الشكس
لكن محوط بقدرة خالقه
مايضرب إلا ونشر عالحبس
قل عيلماني قروحه حازقة
واختم وصلي عدد ما تندمس
سود الليالي بظلمة مئدقة
على النبي صاحب القلب النفس
واسمه محمد كتب قبل اخلقه.
ثانيا : التعليق العام
1- الشاعر كما ذكرنا هو الشيخ عبدالله محسن الجعشاني
وهو شخصية معروفة شيخا وشاعرا
وقد ظل حيا بيننا بشعره، وقد كان الوالد صالح شائف بن سريع يروي
شعره بشكل شبه كامل رحم الله الشاعر وراويته . ولعل أبناء الشاعر
واحفاده قد دونوا أكثر أشعاره
واتوقع أن شعره الموجود يكفي
ليطبع وينشر في ديوان مستقل
ونحن على استعداد لتحقيقه
وتصحيحه وتبويبه إذا اجتهدت أسرة الشاعر وسلمت لنا هذا الشعر .
2- هناك بعض الألفاظ التي وردت في النص السابق رأيت أن أعرج عليها
وأوضح معانيها في النص مع أن أكثر
الألفاظ واضحة وما تزال تستخدم في لهجة حالمين حتى الآن.
كلمة (عكس) بمعنى الظلمة وعدم الرؤية عموما ولا تزال تستخدم حتى الآن. كلمة (النافقة) التي جاءت في القصيدة وصفا للقماش اي الملابس
ومعناها التي تنفق وتباع فهي مطلوبة ومرغوبة وهي هنا كناية عن
جمال الثياب وعن أهمية ومكانة صاحبتها. كلمة (مرعفه) هنا بمعنى أنفه وهو استخدام غير شائع لجأ إليه الشاعر لأن الأنف هو موضع الرعاف وهو خروج الدم من الأنف.
ولعل اللفظة في زمن الشاعر كانت مألوفة الاستخدام.
هذه القصيدة وجدتها في جروب
(جمع الشعر الشعبي في حالمين)
وفيها عدد من الأخطاء في الكتابة
وفي الرواية وقد أصلحت بعضها مجتهدا اجتهادا وظل بعضها ملتبسا
علي .
4- تضمن النص معايير حسن المرأة وجمالها من وجهة نظر الشاعر الذي يمثل بيئته الاجتماعية وذوقها وثقافتها الجمالية في النظر إلى المرأة.
هذه المعايير تنسجم مع الذوق العربي بوجه عام قديما وحديثا لأنها أقرب إلى الفطرة.
فهذا المحبوب يلبس كساء فاخرا غاليا زاده جمالا وحظوة واما الشعر فهو طويل ومسين، وطالما تغنى الشعراء بشعر المرأة ووصفوه بالسواد والطول فهما اجمل ما فيه حسب الذوق العربي. وحين وصف ابن زيدون شعر محبوبته ولادة بنت المستكفي في الأندلس بانه ذهبي
احتج بعض النقاد على ذلك مع أن ولادة امرأة أوربية وقد كان شعرها ذهبيا فعلا فوصفه الشاعر كما هو .
ثم أشار الشاعر إلى الجبين والحواجب وصولا إلى الأنف الذي سماه المرعف وشبهه بالسيف من حيث دقته وطوله وهذه الصفة في الأنف كانت مرغوبة وقد وجدناها كذلك في شعر يحيى عمر اليافعي
وعموما فطول الأنف صفة مرغوبة
وبعكسه يكون الأنف قصيرا وهي صفة غير مرغوبة في معايير الجمال الحسي للمرأة، ولكن دقة الأنف حتى يكون مثل السيف ليست صفة جمالية في الوقت الراهن حين يكون الانف طويلا ودقيقا جدا حتى يكون مثل السيف واظن المسألة أرتبطت بالتشبيه أكثر مما ترتبط بالواقع الجمالي ولكن الواقع لا يخلو من مثل هذه الصفة ولو بشكل نادر.
وعموما فالذوق يختلف من زمن إلى زمن ومن واقع إلى واقع .
وقد يأتي الجمال من تناسق هذه الأعضاء في الوجه فلا ينظر إلى كل عضو على حدة ولكن من حيث تناسقه مع سائر الملامح والأعضاء
ومع الحركة واللون والمعاملة والكلام وغير ذلك لأن المرأة ليست لوحة جامدة.
ثم يمضي الشاعر الجعشاني وهو ارق شعراء حالمين غزلا واكثرهم تغزلا
يبين أثر ذلك الجمال في نفسه فهو لم يكن بصدد وصف مجسم ولكنه يصف امرأة جميلة أثرت في نفسه
مشيرا إلى العيون المحرقة والمحرقة هنا تنتمي إلى قلب الشاعر أكثر من انتمائها لعيني المرأة اي أنه وصف فعل تلك اللحظات في نفسه.
ومثلما هناك لون وحركة في النص في تصوير الجمال فهناك أيضا صوت
وصوت المرأة جزء من جمالها ولعله أشد فتنة من غيره وقديما قال بشار بن برد رحمه الله.
يا ناس أذني لبعض الحي عاشقة
والاذن تعشق قبل العين أحيانا
هكذا وصل الشاعر في تعديد المحاسن إلى الفم المبتسم والعنق
الأبيض الناصع والصدر الواسع والنهود البارزة الصلبة غير المعرضة اطلاقا للمس كناية عن عفاف تلك المرأة ومكانتها العالية وصولا إلى الخصر الدقيق والردف الممتلئ
فطالما ذكر الشعراء هذه المفارقة الجمالية خصرا دقيقا وردفا ممتلئا
متجاورين ( والضد يظهر حسنه الضد) مثل بياض الوجه وسواد الشعر.
كان الشعراء يصفون الردف اي العجز
بالكثيب من الرمل نظرا لامتلائه ولدونته وها هو شاعرنا يشبهه بالمركب لنفس الغرض فالمركب ضخم ومستوي، والردف من مواطن الجمال والفتنة في المرأة وهناك حديث نبوي يشير إلى أن النظر إلى ردف المرأة يثير اللوعة وذل الهوى او مامعناه.
5- اوحى النص بثقافة دينية كان يتمتع بها الشاعر مع أن موضوعه في الغزل وقد بدت تلك الثقافة من خلال مقدمة القصيدة وخاتمتها وهو تقليد راسخ لدى هذا الشاعر في معظم شعره، فقد أفرد البيتين الأولين لمناجاة الله جل جلاله مشيرا إلى بعض آياته وهي الليل والنهار وتعاقبهما وهذا معنى قرآني كذلك
لقد بدأ بنداء الله وانتهى بالصلاة على نبيه الكريم.
والعجيب أن الشاعر ختم القصيدة بالصلاة على النبي وليس العجب في الصلاة عليه، صلى الله عليه وسلم ،
ولكنه في ذكر الليل وظلامه الدامس
أشد مما ذكره في بداية القصيدة.
فما هي العلاقة النفسية بين الشاعر والليل؟ بل وما هي العلاقة النفسية بين الشاعر والبحر الذي ترددت امواجه خلال النص أكثر من مرة مع أن الشاعر من اهل الريف؟
لعل النصوص الأخرى ستكشف لنا ذلك. وعلى كل حال فالعلاقة بين البحر والليل ازلية وهما في أعماق الشعراء مثل التوأم، وقديما قال امرؤ القيس:
وليل كموج البحر ارخى سدوله
علي بأنواع الهموم ليبتلي .
6 – الحوار الذي في نهاية النص فيه غموض ومن أسباب هذا الغموض رواية القصيدة التي تخللها النقص والخطأ إلى حد ما .
يوحي الحوار بأن المحبوب كان يتجنى على الشاعر العاشق ويتدلل عليه ويقسو ، ولكن الشاعر العاشق ظل متميزا بفروسيته ولم يخضع ويتنازل كعادة العاشقين غالبا لمن يحبون فقد كان على حذر وعلى حزم وتحد حين قال
وقلت له كم تجس مني حمس
من بيده البحر قل له يطلقه
فالشاعر لا يخاف ذلك الزعل والتجني
من المحبوب وربما التهديد المبطن
لأنه يأوي إلى ركن شديد في شامخ مرتوس ، لن يصله انفجار البحر.
بل ذهب إلى أنه سوف يستوثق
من كل شيء يتعلق بالمحبوب
فهو سيبحث عن الساس اي الأصل ولن يأمن ما يرى من أخطار او افطار
فهو حذر حذر الفرسان ولن يستسلم لهواه.
وهذا يذكرنا بأبيات أخرى للشاعر نفسه حين قال:
يا ليتك اليوم يا الصيني جزعت اسباع
ولا يروح العسل ذي داخلك كله
ما حد بيامن على الصيني وبه لبشاع
إلا انا بعطي الصيني على عقله .
والصيني هنا معناه الكأس من الزجاج،
والابشاع هنا تذكرنا بالاركان المتشقشقة في آخر القصيدة التي علقنا عليها.
رحم الله الشاعر الجعشاني.
د عبده يحيى الدباني.




