(قراءة موضوعية في خطاب عمر بن حبريش: بين المطالبة بالحق الحضرمي والإساءة له والانتقاص منه)

د. أمين العلياني
خلفيات الخطاب:
أُلقي الخطاب في ظل انقسامات داخلية في حضرموت، بين أنصار المشروع الجنوبي الذين يُشكلون الأغلبية، وتحالفات بين كيانات قبلية وحزبية (مؤتمرية وإخوانية)، مع ضعف المجلس الرئاسي في تحقيق مكاسب ملموسة للمحافظة. ويرى المقدم بن حبريش أن هذا الضعف هو ما أدى إلى تصاعد المطالبات المحلية بالحكم الذاتي لحضرموت.
تحدث بن حبريش باسم “حلف قبائل حضرموت”، متجاهلاً وجود انقسامات داخل الحلف، مما أضعف من شرعيته التمثيلية، رغم إشارته إلى أن الأشقاء في السعودية قدموا له عدة دعوات، واشترطوا عليه أن لا يتم التعامل مع أي مكون إلا إذا كان يحظى بإجماع حضرمي شامل وتحت مظلة موحدة.
الأبعاد السياسية والأيديولوجية في الخطاب:
شدد في خطابه على أن “حضرموت لا يمثلها إلا أبناؤها”، متجاهلاً أن أبناءها منقسمون بين تيارات متعددة، وأن ما يدعو إليه لا يلقى إجماعاً ولا يستند إلى هياكل تنظيمية أو أهداف واضحة تجمع كل الحضارم.
وجه انتقادات إلى بعض الأحزاب، وخص بالذكر المجلس الانتقالي الجنوبي والمؤتمر الشعبي العام، متجاهلاً بشكل لافت جماعة الإخوان المسلمين المتمركزة في وادي حضرموت، مما يكشف عن تحيز سياسي وأجندات غير معلنة.
انتقد المجلس الرئاسي والمجلس الانتقالي رغم اختلاف مشروعيهما، واتهمهما بعدم تقديم إنجازات لحضرموت، وهي اتهامات جزئية وتفتقر إلى الأدلة.
وجه اتهامات مباشرة للرئيس عيدروس الزبيدي بالتواطؤ مع رشاد العليمي، معتبراً زيارته للمحافظ بن ماضي على أنها تهميش له، متجاهلاً أن الزبيدي بصفته نائب رئيس مجلس القيادة، يتعامل مع الجهات الرسمية، وليس مع الشخصيات القبلية فقط.
الدعوة إلى تشكيل قوات عسكرية:
دعا في خطابه إلى تشكيل قوات عسكرية وأمنية تتبع الحلف، بدعم سعودي مزعوم، وهو ما يعد إساءة للمملكة بوصفها راعية للتحالف العربي، خصوصاً أن الخطاب كان عاطفياً وهوياتياً ويفتقر إلى المسؤولية في إدراك العواقب.
تجاهل وجود قوات “النخبة الحضرمية” و”درع الوطن”، مما يوحي برسالة مبطنة إلى السعودية، مفادها “إما منح القوة أو التهديد بإغلاق الطرقات والشركات”، وهذا يضعف موقفه ويخلق خللاً في التوازن العسكري للتحالف.
كما أغفل المطالبة بخروج القوات الشمالية (المنطقة العسكرية الأولى) من وادي حضرموت، رغم أنها تمثل تهديداً رئيسياً لثروات حضرموت، مما يشير إلى انتقائية مقصودة في خطابه.
الإغفالات السياسية والشرعية:
تجاهل بوضوح النائب البحسني، الممثل الشرعي لحضرموت في المجلس الرئاسي، مما يبرز محاولة لتجاوز الشرعية وطرح نفسه بديلاً.
كما أن خطابه، رغم تظاهره بالحصرية الحضرمية، يُلمح إلى توافقه الضمني مع قوى الشمال المؤيدة لمشروع اليمن الاتحادي، وهو ما يعكس تناقضاً في الموقف والخطاب.
الدور السعودي:
أشار في خطابه إلى “وعود صادقة من السعودية بالتجنيد وحل المشاكل”، دون توضيح، مما يثير تساؤلات:
هل تتعامل السعودية مع أطراف خارج إطار المجلس الرئاسي؟
وهل تعتمد سياسة “فرّق تسُد” في الجنوب؟
الخطاب يُظهر السعودية بشكل متناقض: فهي تدعم المجلس الرئاسي وتُتهم في الوقت نفسه بدعم أطراف خارجه، وهو ما يُعد إساءة ضمنية لدورها كراعية للتحالف العربي.
مصداقية الخطاب وموضوعيته:
خطاب بن حبريش انتقائي، أغفل وجود “النخبة الحضرمية” و”درع الوطن”، رغم أنهما قوات رسمية تعمل بتوجيهات التحالف والحكومة.
لم ينسق مع النائب البحسني الذي يمتلك الصفة الشرعية للمطالبة بحقوق حضرموت، مما يطرح تساؤلات حول صدقه في تمثيل أبناء المحافظة.
أطلق اتهامات غير موثقة بحق شخصيات رسمية مثل الرئيس الزبيدي، وكان الأولى به التراجع عنها والاعتذار، وإلا فإن المجلس الرئاسي من حقه اتخاذ إجراءات قانونية بحقه.
اعتمد على إثارة المشاعر والهويات أكثر من الاستناد إلى حقائق، متجاهلاً الخطر الحقيقي المتمثل في القوات الشمالية بوادي حضرموت.
التناقض بين الخطاب والممارسة:
يدعي العمل على “توحيد الصف الحضرمي”، بينما يمارس خطاباً قبلياً يفتت هذا الصف ويمزقه، مما يكشف عن تناقض صارخ بين ما يُقال وما يُمارس.
الأهداف الخفية والتداعيات المحتملة:
يسعى إلى ترسيخ ذاته كزعيم حضرمي بديل للنائب البحسني، خارج إطار الشرعية والمجلس الانتقالي.
ادعى أن دعوته إلى الحكم الذاتي تحظى بدعم سعودي، وهو أمر غير مؤكد، ويهدف منه إلى كسب تأييد شعبي مزيف.
هاجم المشروع الجنوبي ولم يُبدِ أي موقف تجاه القوات الشمالية، مما يدل على تقاربه من مشروع اليمن الاتحادي ومعاداته للمشروع الجنوبي.
دعوته لتشكيل قوات جديدة يُعد تحريضاً على الفوضى ويهدد بتفجير الوضع الأمني في حضرموت.
النتيجة النهائية:
خطاب المقدم عمر بن حبريش يتسم بالعاطفية والانحياز ويخلط بين المطالب الحقوقية والمصالح الذاتية، ويتجاهل التحديات الحقيقية لحضرموت. كما يحمل تناقضات سياسية تضعف من مصداقيته، ويُعد خطاباً استقطابياً يهدد استقرار المحافظة ويقوّض الجهود التنموية، مما يصب في مصلحة القوى الشمالية التي ما زالت تهيمن على ثروات حضرموت وتعبث بها منذ ثلاثة عقود.




