استقلال الجنوب العربي طريقاً ليس سهلاً، ولكنه الطريق الذي لا عودة عنه مهما كانت التحديات

في قلب الثورة الجنوبية، يتجسد الإصرار والتضحية، ويقف شعب الجنوب العربي شامخا في مواجهة أصعب الظروف وأكثرها قسوة، فمنذُ لحظة وقوع أرض وشعب الجنوب العربي في 1994م تحت براثن الاحتلال اليمني ذلك الاحتلال الذي لم يعرف التاريخ مثيلاً له في تخلفه وقذارته وفضاعة جرائمه، تجلت شجاعة غير مسبوقة في صمود أبناء الجنوب العربي، هذا الشعب الذي عُرف بتاريخ طويل من النضال والمقاومة ضد الظلم، يؤكد مجدداً في كل مرحلة من مراحل الصراع، أنه لا يمكن أن تُمحى هويته أو تاريخه أو تُسلب حقوقه مهما بلغت التحديات.
فالثورة الجنوبية لم تكن مجرد مقاومة ورد فعلٍ على الظلم والتهميش الذي تعرض له الجنوب على يد الاحتلال اليمني، بل كانت تعبيراً صادقاً عن إرادة الحياة ورفضاً للزوال لقد خرج شعب الجنوب في عهد عفاش بثورتهم السلمية يحملون في قلوبهم آلام الماضي وآمال المستقبل، يدافعون عن هوية وتاريخ هما جزء من كرامتهم وحقوقهم، وعزيمتهم كانت أكبر من أن تُمحيها ممارسات الاحتلال اليمني القاسية.
ومع تحرير أرض الجنوب في عام 2015م بعد الغزو اليمني الغاشم المتدثر بعباءة السلالة ، ظننا أن جرحنا الجنوبي سيشفى وإلى الأبد، لكن ما تبع ذلك كان سلسلة من المؤامرات التي استهدفت عزة الشعب الجنوبي وكرامته ، حرب الخدمات ،وقطع الأرزاق ، وانهيار العملة ، وارتفاع الأسعار في أرض الجنوب العربي تُعد إحدى أفظع أساليب الضغط على هذا الشعب الصامد.
التحديات الاقتصادية التي رافقت ولا زالت ترافق هذه الحرب من ارتفاع الأسعار إلى غلق الموانئ وإغلاق منافذ تصدير النفط والغاز ضاعفت من معاناة الجنوبيين ، ولكن رغم هذه الضغوط ظل شعب الجنوب العربي متمسكاً بكفاحه، مُصّراً على المضي قدماً في طريق الاستقلال، مُؤمنا بأن معركته ليست مجرد معركة اقتصادية، بل معركة كرامة، حق لا يمكن التنازل عنه مهما كانت التكلفة.
و يزيد الوضع تعقيداً تلك الحرب الإعلامية الممنهجة التي تُشَن ضد الجنوب العربي وقيادته السياسية، حيث يتم استخدام الإعلام لتشويه صورة الثورة الجنوبية ورموزها وتشويه تاريخ الشعب الجنوبي ، والحكومة اليمنية هي التي تُغذّي هذه الحرب في محاولة بائسة منها لتقنعنا أن خيرنا في العودة إلى باب اليمن تحت حكم القبيلة والسلالة وشرنا في فك الإرتباط عن اليمن الشقيق القبيلة والسلالة وأحزاب الشيطان والتخلف.
المكينة الإعلامية التي تنفق عليها مليارات الدولارات من خيرات الجنوب تحاول النيل من مشروع الاستقلال الوطني للجنوب، وتحويل الأنظار عن المعاناة اليومية التي يواجهها هذا الشعب العظيم، ولعل أبرز ملامح هذه الحرب الإعلامية هو المحاولات المستمرة لتشويه صورة المجلس الانتقالي الجنوبي ، وإن كان يستحق عتبنا على قيادته لصبرها الطويل على تلك المؤامرات اليمنية والأقليمية التي تقتلنا ، لكن هذا المجلس الذي يعد في في نظر الكثير حتى من مخالفيه رمزاً وحاملاً سياسياً للقضية الجنوبية ومرفئ، وملاذاً آمناً لمطالب شعب الجنوب العربي في استعادة دولته، ووراء هذه الحرب الاقتصادية والإعلامية يقف دعم مشبوه لقوى محلية واقليمية ، حيث تحاول بعض الدول الإقليمية وضع العراقيل أمام المشروع الجنوبي الهادف إلى استعادة دولته ، وتحاول تلك القوى وبشتى السبل، دفع الجنوب نحو فوضى قد تَبتلع آماله وتُعيده إلى دائرة المعاناة التي ظل يُناضل لعقود من أجل الخروج منها.
هذه القوى، التي تدفع بالجنوب إلى هذا النفق المظلم، لا تدرك أن شعب الجنوب العربي قد سبقها في التفكير، وأن آماله في بناء دولة حرة مستقلة لا يمكن أن تتزعزع أمام محاولاتهم للنيل من عزيمته ، وهكذا يبقى شعب الجنوب صامدا أمام الرياح العاتية القادمة من خلف الحدود.
التضحيات التي قدمها شعب الجنوب في مواجهة الحرب والخدمات والأزمات الاقتصادية والضغط الإعلامي تظل شاهدة على أصالة هذا الشعب وعزيمته التي لا تلين فقد استطاع الشعب الجنوبي أن يحل معاناته إلى أملٍ، ودماء شهدائه إلى بذور تثمر ثورةً تحقق الحلم الجنوبي.
إن الثورة الجنوبية، التي نشأت من قلب الوجع الجنوبي، تُعد أكثر من كونها حركة سياسية، إنها حركة أخلاقية ثورية تسعى إلى استعادة الحق والكرامة ومع كل فجر جديد، يزداد إيمان شعب الجنوب العربي بأن طريق الحرية والاستقلال ليس طريقاً سهلاً، ولكنه الطريق الذي لا عودة عنه، مهما كانت التحديات والتضحيات أو المحاولات لتقويضه.
بقلم. بلعيد صالح.




