معركة الكرامة الأكاديمية وثبات المواقف

معركة الكرامة الأكاديمية وثبات المواقف

الكرامة ليست مجرد كلمة تُقال، بل هي نبض القلب الذي يعبر عن عزة الإنسان وشرفه، هي الوجود بأكمله لا يمكن أن تُباع أو تُشترى لأنها أغلى ما يملكه الإنسان في حياته، إنها الهدية التي لا تقدر بثمن، ركن أساسي من هويته لا يستطيع أن يتنصل منها مهما كانت الظروف، فعندما يقف المرء في مواجهة التحديات ويثبت على مواقفه فإن ذلك ليس مجرد تصرف بل هو تعبير عن الإيمان العميق بما يعتقد، إن المواقف الثابتة هي الحصن الذي يحمي الكرامة، والروح التي ترفعها إلى أعلى قمم العزة.

لقد علمنا التاريخ البعيد والقريب، وعلمتنا تجارب الرجال الذين نقشوا أسمائهم بأحرف من نور في سجل الكرامة، أن الذين دافعوا عن قناعاتهم بثبات أمام أعتى الصعاب هم الذين ظلوا رمزا للكرامة والشرف في الذاكرة الشعبية، وظلت صورهم خالدة وكأنهم أصبحوا منارات تنير دروبنا في أوقات الظلام.

في هذا المجال يأتي إضراب نقابة هيئة التدريس والموظفين في جامعات الجنوب (عدن، لحج، أبين، شبوة) ليكون شهادة حية على اصرار أكاديميي وموظفي الجامعات في الدفاع عن حقوقهم وكرامتهم ومكانتهم ليس مجرد احتجاج على أوضاع معيشية صعبة فقط، بل هو إعلان صارخ عن رفض الخنوع لأي تهديدات مهما كانت، إنها خطوة تشد من عزيمة الأفراد وتوحّدهم في مواجهة الفساد والظلم، وتبعث في قلوبهم شعورا لا يقبل المساومة.

إن هذا الثبات الذي يُعبّر عنه بالرفض التام للظلم والفساد الحكومي لا يتعلق بموقف فردي بل هو نضال جماعي يعكس أصالة الأعضاء ورفضهم للذل، فكل عضو من أعضاء هيئة التدريس او الموظفين لم يتخذ قراره بالخروج للإضراب إلا لأنه يعلم تماما أن الكرامة لا تُطلب، بل يجب أن يُدافع عنها بقوة، بل يجب أن تُنتزع انتزاعا من أنياب المتسلطين وعندما يتمسك الشخص بموقفه أمام تلك التحديات فإنه يعبر عن إرادة حية لا تقبل الضغوط ولا تذعن لأي تهديد، هذا هو المعنى الحقيقي للكرامة، وهو الدرس الذي لا بد أن نعلّمه للأجيال القادمة ( أن عزيمتنا لا تُكسر، وأن التنازل عن الحقوق يعني التنازل عن الذات).

ومن هنا نرى أن الثبات على المواقف ليس فقط إصرارا على الحقوق، بل هو استثمار حقيقي في المستقبل، فهو ليس مجرد احتجاج في لحظة معينة، بل هو مشروع بناء مجتمع أكاديمي يقدر كرامة الإنسان ويحترم حقوقه في جميع الأوقات، لأن الكرامة في النهاية هي الطريق لبناء أجيال قادرة على الحفاظ على شرفها في وجه التحديات.

إن تلك الأوقات الصعبة التي يواجهها أعضاء هيئة التدريس والموظفين في سبيل حقوقهم هي في الواقع لحظات ستحفر في ذاكرة تاريخنا الأكاديمي إذا استطاعوا الثبات ونتمنى ذلك، فهي ليست مجرد معركة ضد اللامبالاة أو الفساد والظلم، بل هي معركة تُصنع فيها أجيال جديدة قادرة على الوقوف بكل شجاعة في وجه التحديات التي قد تواجهها، إنها معركة نبيلة تستحق منا كل دعم، لأنها تعكس أسمى معاني الكرامة، وتعكس حق الإنسان في العيش بكرامة، مهما كانت الصعاب.

بقلم. بلعيد صالح محمد.

Authors

CATEGORIES