كتاب «نبيل القعيطي .. شهيد الكلمة..ابتسامة وطن» – الحلقة الأولى ( من هو نبيل القعيطي الذي أهتز العالم لإستشهاده)

كتاب «نبيل القعيطي .. شهيد الكلمة..ابتسامة وطن» – الحلقة الأولى ( من هو نبيل القعيطي الذي أهتز العالم لإستشهاده)

مع نجله زايد، يعلمه كيف يكون نبيلاً مبتسماً

لمحات من سيرة حياة الشهيد نبيل القعيطي

  • الشهيد نبيل القعيطي هو نبيل حسن عمر صالح القعيطي، صحفي من عدن جنوب اليمن، ومصور حربي عالمي، ورئيس مؤسسة النبيل للإنتاج والتوثيق الإعلامي بعدن، ومؤسسها.
  • من مواليد الثاني عشر من شهر يناير لعام 1986م، في لحج، يافع، مديرية لبعوس، قرية اللم (القعيطي).
  • انتقل إلى عدن بعد الوحدة عام 1992م، وهو طفل في السادسة من عمره، ونشأ وترعرع فيها بكنف أسرة كريمة ومتواضعة، قطنت منطقة دار سعد، ومكونة من أبوين رحيمين، و4 فتيات ماجدات، و4 أبناء: فتحي، نبيل، سعد، ومروان.
  • درس الابتدائية في مدرسة الشوكاني، والثانوية في عبود بالدار، نهاها في 2005م.
  • هوايته التصوير ولظروف الأسرة لم يستطع أن يلتحق بقسم الإعلام، كما حرم من أبسط الحقوق التعليمية والرعاية الصحية كغيره من أبناء الجنوب جيل الوحدة .
  • تحمل المسؤولية بوقت مبكر، حيث توفي والده مطلع 2007م وعمره 21 عاماً.
  • التحق بسوق العمل بمحل قطع غيار سيارات، وبيع وشراء الحديد الخردة.
  • تزوج في 14 فبراير عام 2010م، بعمر 24 عاماً.
  • انخرط في الجانب الإعلامي منذ 2007م، بدايته مصور هاو، ثم التحق بعدة دورات تدريبية، أكسبته مهارة ودربة، فاق بها أقرانه المتخصصين، وكان عمله حراً ومستقلاً، ومنذ 2015م عمل عقد عمل كمراسل ومصور فيديو حربي محترف، مع وكالة الأنباء الفرنسية (AFP )، ومتعاوناً مع قناة صوت الجنوب، وسكاي نيوز عربية، والعربية والحدث، وربتلي، وعدن المستقلة، وغيرها من وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية.
  • أسس في 2016م مؤسسة النبيل للإنتاج والتوثيق الإعلامي، ومقرها عدن.
  • تلقى عدة دورات تدريبية في الإعلام، وحاز على عدة جوائز محلية ودولية، وكرم بعدد من الشهادات التقديرية والدروع محلياً وعربياً ودولياً.
  • ساهم في كثير من الأعمال الإنسانية والخيرية، وتعاون مع عدد من المنظمات العالمية العاملة في اليمن.
  • قتل غدراً أمام منزله في عمر 34 عاماً، في الثاني من شهر يونيو 2020م.
  • عاش شامخاً ومات شهيداً فداء لوطنه وقضيته، مخلفاً وراءه ثلاثة أطفال: ساره (5) أعوام، ريتاج (4) أعوام،  زايد عامان، ورابعاً كان في عالم الغيب والأجنة حين رحل، ووضعته حرمه المصون أنثى بعد رحيله بـ 75 يوماً، سميت نبيلة نبيل القعيطي تيمناً باسم أبيها، كما خلف رصيداً إعلامياً ضخماً، موثقاً بالصوت والصورة، وتاريخاً نضالياً مشرفاً تفخر به الأجيال، وخلد اسمه بأكثر من معلم في عدن وغيرها، وغدا بطلاً من أبطال الثورة الجنوبية، ورمزاً من رموز الصحافة والإعلام الحر والمستقل.

شذرات عطرة من أخلاق الشهيد النبيل وقيمه الإنسانية

نبيل اسم على مسمى:

عرف نبيل القعيطي بين أسرته وأقربائه وأبناء حيه بعدن ومنطقته يافع بنُبله وسُمُوّ أخلاقه، وبوجهه البشوش الذي لا تفارقه الابتسامة التلقائية المحببة، وبنقاء سريرته، كما عرف بصدقه بشهادة كل من عرفه أو عايشه أو عمل معه من زملائه، وبحبه للخير، وصلة رحمه وتواصله الدائم مع الكل، وكان طيباً كريماً صادق المشاعر، لا يمدح أحداً، ولا يشكر إلا من يستحق الشكر، يساعد زملاءه وإخوته ويعطف على شقيقاته، ويمد يد العون لأصهاره وأقربائه، وكان يهتم بالجميع، كما صرحت أمه بعد شهر من رحيله ” كان يعيل خمس أسر- رحمة الله عليه”، فكان نبيل نبيلاً في كل شيء، حتى جعل له من اسمه نصيباً، وهو ما انعكس في الكم الهائل من غُصَصَ الحزن والأسى التي تركها رحيله في نفوس الجميع.

تقبيله رأس رجل مسن مقاوم أصيب في جبهة الشرف والعزة بأبين الأبية

ومن المواقف النبيلة التي سجلها النبيل، وانتشر ذكرها على مستوى واسع في شبكات التواصل الاجتماعي قبيل رحيله بقليل، تقبيله رأس رجل مسن مقاوم أصيب في جبهة الشرف والعزة بأبين الأبية، هذا الرجل هو الفدائي والمناضل الكبير محسن جبر جابر الحالمي.

كرم الحالمي على إثر هذه الصورة من قبل القيادة السياسية للمجلس الانتقالي الجنوبي، وكذا كرم بمبلغ مالي من تاجر جنوبي أصيل، تم تسليمه عبر نائب الدائرة الإعلامية للمجلس الانتقالي منصور صالح، وكانت لصورة نبيل وهو يقبل رأس هذا الشيخ المناضل الأثر الكبير على المشهد السياسي الجنوبي، وكان لموقفه الشهم يد الطول في تكريم شيخ المناضلين محسن الحالمي، وفي هذا الجانب أشاد اللواء أحمد سعيد بن بريك، رئيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي، رئيس الإدارة الذاتية للجنوب، أثناء تكريمه للحالمي، بما يقدمه نبيل من صور بطولية مشرفة من جبهات العز، ولدعمه المعنوي للمناضلين، كما أشاد بالروح الفدائية للمناضل محسن جبر جابر الحالمي، واستعداده للتضحية دفاعاً عن الوطن وتطلعات شعبنا في الحرية والاستقلال.

انحيازه التام للبسطاء:

انحيازه التام للبسطاء

ومن أخلاق نبيل القعيطي وقيمه الإنسانية النبيلة انحيازه التام للبسطاء من الناس، كان- رحمه الله- يسلط الضوء عليهم لانتشالهم من حالات البؤس والفقر والتهميش، ويمد يد العون لهم، ويرفق بذوي الحالات الخاصة منهم، يغمرهم بابتسامته وعطفه ودفء مشاعره، وكان بحسب زميله محروس باحسين: “خير مثال في توثيق صورة الحالات الإنسانية ومساعدة الفقراء والمحتاجين ونقل معاناة اللأجئين”.

وكان، بحسب رفيق دربه بسام القاضي، “صوت النازحين والكادحين والمعذبين وذوي الحالات الإنسانية، أفرح الكثير، وأنقذ أرواح العشرات، وساعد الآلاف من خلال كاميرته التي كانت صوت الجميع إنسانياً، وكانت صوره ومقاطع الفيديو مسموعة وتصل إلى أبعد الحدود بشهادة الجميع”، وأضاف القاضي “أقسم لم أجد مصوراً يحمل صفات الإنسانية، ويتوجع على حال الناس، أكثر من نبيل القعيطي، كان صوت المطحونين، كان إنساناً نبيلاً بكل ما للكلمة من معنى، كان يتحرك بسيارته وعلى حسابه الخاص داخل عدن والمحافظات المجاورة لها لينقل معاناة الناس من مجاعة ونزوح وأمراض وأوضاع إنسانية وصحية وغيرها”، وقال فارس الحسام، وهو إعلامي ومتعاون إنساني مع نبيل، ناعياً الشهيد ومخاطباً روحه: “نبيل القعيطي هكذا عرفناك في الساحل الغربي، نبيل الإنسان، كنت الأب الحنون على الأطفال الفقراء والمشردين في الساحل الغربي، سينعيك الوطن، وسيبكيك الفقراء يا نبيل”.

مع بعض النازحين في الساحل الغربي

تواضع جم:

صوت النازحين والكادحين والمعذبين وذوي الحالات الإنسانية

وكان نبيل القعيطي متواضعاً، كثير الحياء، يعمل بصمت ودون ضجيج إعلامي، وفي هذا الجانب يقول الباركي الكلدي، مقدم جائزة السلام ومرشح نبيل لها في نسختها لعام 2014م، بعد أن قدم النبيل للجمهور في حفل كبير بيافع (رصد) حضره جمهور غفير برفقة زميله بسام القاضي: “قال لي نبيل لقد أخجلتني أمام هذا الحضور الكبير”، وأضاف الكلدي “وبعد انتهاء الحفل سلمت النبيل نصف مبلغ الجائزة، وقدره ألف دولار ودرع تذكاري وشهادة تقدير، رفض استلام المبلغ، وقال تواضعاً: يكفي أنك رفعت رأسي أمام الناس بهذا التكريم الكبير الذي لا أستحقه.. ووسط إلحاح مني أخذ المبلغ والدموع تنهمر من عينيه، وكان العناق وسط أجواء مليئة بالمشاعر الممزوجة بالفرح، فتأثرت كثيراً بطيبة هذا الإنسان النبيل، وتواضعه وبصدق مشاعره وإخلاصه ونبله”.

وطني مخلص ثابت المبدأ:

مع بعض النازحين في الساحل الغربي

وكان القعيطي حراً أبياً مستقلاً في عمله الإعلامي والوطني، لا يتبع حزباً أو اتجاهاً، ولا يبحث عن منصب أو جاه، كل همه الجنوب، وفي هذا الجانب يقول الباركي: “وأثناء جلوسي في عدن لم يفارقني (القعيطي) لحظة إلا أوقات يذهب فيها إلى أهله، وكان مثل النحلة في حركته ونشاطه يتنقل من مكان إلى آخر بسيارته القديمة المتواضعة التي يكافح بها على مصاريف أطفاله، كنت أذهب معه لحضور مظاهرات واعتصامات وفعاليات وخطب الجمعة في ساحة المعلا، وكان يسجل الخطبة، ويصور الحضور في الساحة، وينقل أحداث الخطبة لجميع الصحف، ولا نعود إلا في وقت متأخر”.

وأضاف الباركي “وفي 14 أكتوبر 2014 اعتصمت الجماهير الجنوبية في خور مكسر، ونصبت الخيام، وتم تكليف نبيل القعيطي ومجموعة من الشباب المجتهدين من أعضاء المجموعات الجنوبية الداعمة لتوفير الخيام، وكان نبيل أول من نصب خيمته في الساحة، ونصب إلى جانبها أكثر من أربعين خيمة لاتحاد المجموعات الجنوبية الداعمة، وعمل مع اللجان في تغذية الجماهير، وظل مرابطاً في الساحة يقوم بنشاطات كثيرة”.

وسرد الباركي عدة مواقف وطنية شجاعة لنبيل فترة الحراك السلمي، قائلاً “وأتذكر ما حييت مواقفه الشجاعة واستبساله عند ما بلغه خبر في  أحد المرات وأنا في لقاء مع نشطاء الحراك الجنوبي بأحد الفنادق أن هناك بلاغاً ضدي والترصد لي من قبل جنود الأمن المركزي… أتى نبيل مسرعاً، وقال: هات مفاتيح سيارتك، وخذ سيارتي، تركتها لك خلف الفندق سأتصل عليك لاحقاً وسأخبرك أين نلتقي… افتداني بروحه، وفلتنا من ذلك الفخ بشجاعته، وأتذكر في آخر يوم فارقت عدن أتى نبيل يودعني ومعه هدية عبارة عن ساعة حائط داخلها علم الجنوب، قال “والله لا أملك أغلى من هذا العلم أهديك إياه”.

حاملاً بشموخ علم الجنوب كحمله القضية الجنوبية

ومع اندلاع الحرب على الجنوب، بحسب شهادة الباركي “كان نبيل القعيطي مقاتلاً وإعلامياً يشارك في كل الجبهات بكاميرته، تعرض لكثير من الاستهداف، وعمل في المجموعات الجنوبية الداعمة لتوصيل المساعدات والتغذية للأسر النازحة وللمقاومين في الجبهات، وكانت كاميرا نبيل تتواجد حيث لا يتواجد الآخرون، يتسلل عبر طرق مختلفة لأجل الوصول إلى أماكن الأسر النازحة عندما تم قطع الطرق والخطوط التي تربط بين المدن والمناطق في مدينة عدن، وظل يكافح ويدافع عن عدن وأبنائها مستبسلاً بروحه وحياته لآخر يوم من تحريرها… كان رجلاً استثنائياً ورمزاً وطنياً عظيماً، وسيرته حافلة بالعطاء والتضحية.. كان نبراساً مخلصاً وفياً لوطنه، وبصماته سيخلدها الشعب الجنوبي وسيحفظ له سنواته التي قضاها في كفاح ونضال… ستبقى بسمتك يا نبيل القعيطي شعاراً لنا، وكلمات التحدي والصمود التي كنت تطلقها مع صوت الرصاص في مقدمة الصفوف دروساً لنا” .

حاملاً كاميرته الحربية يوثق الدمار الذي خلفته الحرب الحوثية على عدن

يملك كل صفات الثائر الحر:

ونبيل القعيطي عدني قح، وجنوبي للنخاع، وكان بحسب عبدالباري الباركي الكلدي “ثائراً ناشطاً  يتدفق في عروقه الحب والانتماء والغيرة على وطنه”، وقال أيضاً: “كان من أنشط الشباب الذين عملوا على إظهار القضية الجنوبية إعلامياً، متأثراً بحياة الناس ومعاناتهم في منطقته وفي عدن التي يعيش أهلها حياة قاسية في ظل نظام القمع والاضطهاد والاستبداد… وكان يقارع جنود الأمن المركزي، ويترصدهم في شوارع عدن، ويوثق ممارساتهم القمعية بحق أبناء عدن”.

وبحسب شهادة رئيس الدائرة التنظيمية في الأمانة العامة للمجلس الانتقالي الجنوبي منصور زيد: “كان يحمل صفات الثائر الحقيقي بتواضعه وبساطته وتضحيته ومساعدته لزملائه الذين يأتون من خارج عدن، يجود بكل ما يملك، لم أشاهده يوماً يتسابق  على المنصات،  كان بعيداً عن الزحمة، ويشتغل بصمت دون مقابل، ولم أجده يوماً يمن أو يبحث عن ذاته، كان همه الجنوب”.

ونختم بم قاله القائد بالمقاومة الجنوبية علي عسكري اليزيدي عن الشهيد: كان نبيل القعيطي يتمتع بصفات قلما تجدها في غيره، كان لطيفاً وذا أخلاق ومهنية عالية، ومؤمناً بقضيته التي يناضل لأجلها”.

لازم براميل الشريجة يرجعين، حاملاً برميلاً في الحد الفاصل بمنطقة الشريجة

رجل عصامي محب للسلام:

وهناك شخصية خفية تكمن وراء كاريزما نبيل القعيطي لا يراها إلا القليل ممن عاشره عن قرب، شخصية عصامية محبة للسلم والسلام، تخوض غمار المعارك، وتبرز من أوساط دوي المدافع وويلات الدمار، ولهيب ألسنة الحرب المشتعلة في ساحات الجنوب، ترصد آلة الحرب لكشف حجم سعيرها وما خلفته من ويلات ودمار، ولدحض الأراجيف المزيفة التي يقف وراءها تجار الحروب وموقدو نارها، وكان يتجه نبيل القعيطي إلى الجبهات الملتهبة بسلاح كاميرته ليس لأجل الحرب، وإنما دفاعاً عن قضيته، ويحب من يدافع عنها ويدعمها، ومستبسلاً بروحه لمن يحب كان إنساناً أو أرضاً أو وطناً، ويدعو بابتسامة لطيفة “لا للحرب، نعم للسلم والسلام”.

مبتسم في الخطوط الأمامية للحرب

وعن هذه الشخصية العصامية يقول أحمد الصوفي: ” سكنت في المخا برفقة نبيل القعيطي… كان صورة للكمال.. أنتم لاتعرفونه.. ترون ذلك المقدام المبتسم في الصفوف الأولى، ولاتعرفون كم يحمل قلبه من حب وسلام، لكنه يقاتل لقضيته لا حباً في القتال، وكان زاهداً، هل بينكم فقير يسلم سيارته لعمل الخير؟ الرجل هذا تبرع بسيارته لأفران عدن الخيرية ضمن جهد مكافحة كورونا.. لم يكن لنبيل مرتب ثابت لا من الإمارات، ولا من الانتقالي، هو أحبهما لأنهما يعملان للقضية التي يؤمن بها، وحين غادرت الإمارات عدن، وجاءه عمل جديد لايحترم قضيته، ولا يؤمن حتى بعلمها، رفض متعالياً كالعاصفة”.

متسامح كريم حتى مع مخالفيه:

وكان نبيل القعيطي متسامحاً مع الكل حتى مع مخالفيه، وفي هذا الجانب ذكر منصور صالح نائب رئيس الدائرة الإعلامية للمجلس الانتقالي الجنوبي ثلاثة مواقف مشرفة للنبيل تدل على سماحته وكرمه خص بها مخالفيه: “الموقف الأول: في أحداث أغسطس ٢٠١٩م كان نبيل القعيطي في مقدمة الإعلاميين الذين دخلوا برفقة القوات إلى معاشيق، وعند خروجه استوقفته مجموعة كبيرة من منتسبي اللواء الأول حماية رئاسية المغادرين لمواقعهم ليأخذهم معه، فابتسم كعادته، وقال تفضلوا إلى أين تريدون أن  تصلوا ؟ كانت وجهة معظم الشباب مدينة خورمكسر .. أوصلهم نبيل حتى ساحة العروض وقبل أن يترجلوا، قال لهم فطرتم، فأجابوا:  لا … أدخل  نبيل يده في جيبة، فلم يجد سوى مائة ريال سعودي، قال بابتسامة خجولة خذوا هذه واعذروني.. رفض الشباب لكنه أصر حتى أخذوها”.

وعن الموقف الثاني يقول صالح: “وفي أحد أيام  شهر سبتمبر من العام الماضي هاتفني نبيل طالباً المساعدة في الحصول على حجز مستعجل لمواطن مصري يعمل في صالون حلاقة بمدينة إنماء، ذهبنا معاً، ولم يخذلنا صديقنا عبدالباسط العفيف مدير منطقة عدن، لكن لم تكن لدى المواطن المصري قيمة التذكرة كاملة، لارتفاع سعرها بشكل مفاجئ، قال نبيل وقد رأى الإحراج على وجه الشاب: لا تهتم الأمور طيبة، واستكمل القيمة من جيبه “خمسون ألف ريال” وهو مبتسم كعادته، للتنويه قال لي نبيل يومها” لم أنم  من البارح، ولم أغير ملابسي حيث بلغوني أن هناك ملثمين يحومون حول منزلي بصورة مريبة، ونصحوني بعدم العودة للمنزل، واضطررت للبقاء في فندق حتى الفجر.

 ويقول صالح عن الموقف الثالث: “ذات مرة ضبطت قوات الحزام الأمني شاباً على دراجة نارية كان يدور حول منزل نبيل ويسأل عنه، ثم قام بركن الدراجة مدعياً كذباً انتهاء الوقود وهو ما اتضح لاحقا، وأثار الشكوك في نوايا الشاب، ظلت الأجهزة تحتجز الشاب مع  الدراجة لأكثر  من شهرين، فيما والده الشايب يسعى لاستعطاف نبيل للصفح عن ولده، قال لي  نبيل: “رغم اقتناعي أن الشاب غير بريء لكني أشفق على والده.. كل يوم أتصل بالحزام وهم يواعدوني وما أفرجوا عنه، وختم صالح منشوره بالقول: “الحديث عن نبل نبيل لا نهاية له، وما ورد ليس سوى خواطر تمر أمامي ناظري وتسرق النوم من عيني.. اشتقت لك صديقي”.

وبهذه العبارة الموجزة والمعبرة عن حزننا العميق لفقد هذه الهامة الوطنية والإنسانية النبيلة، نختم هذه الجزئية من سيرة حياة الشهيد النبيل بما قاله منصور صالح، لقد اشتقنا لك صديقنا النبيل، وكم يحز في قلوبنا أن نفارقك بهذه الطريقة الفاجعة، ولكن عزاؤنا فيك “أنك مت شهيداً مقبلاً غير مدبر كما يموت كل عظيم.. أما الموت فيلتقط الناس زرافات ووحداناً، مت جهراً، وبقي قاتلك لئيماً خائفاً مذعوراً رغم كل فوارق الإمكانيات”([1])، فـ‏” إلى جنات الخلد يا نبيل القعيطي، ولعنة الله على من اغتالك”([2]) .

Author

CATEGORIES