ما وراء احتفاء الجنوبيين بالنصر الرياضي الكبير

يقال هناك ثروات دولة تسمى سيادية يشترك فيها الجميع، وكذاك هناك فرحات ومسرات واحتفالات وانتصارات سيادية وهويات انتمائية فخرية جمعية يشترك فيها الجميع، ويدخل في إطارها الفن والثقافة والرياضة والهاجس العام والانتماء العرقي والمجتمعي والإثني وغيرها، وفي هذا الأمر السيادي الجمعي وبعداً عن الصراعات السياسية والخلافات والحروب الأهلية والأحقاد تلتم القلوب الجريحة المنتمية لتفرح دون استثناء ودون استئذان…

ما أود قوله من خلال هذا التقديم وهذا المقال المقتضب، وقبل أن تنتزع من قلوبنا فرحة النصر البطولي الذي تحقق لمنتخبنا منتخب الناشئين، بتفجير إرهابي أو اغتيال سياسي أو بانفجار عبوة ناسفة زرعت في جنبات الطريق كأسلوب متبع من قبل الخبرة لزعزعة أمننا واستقرارنا ومنعنا من ممارسة أي نشاط يشعرنا بالفرح، أقول إن الابتهاج الذي ساد مناطق ومحافظات الجنوب ليلة البارحة هو ابتهاج تلقائي يدخل ضمن ما أوضحته في التقديم، ولأن الجنوبيين بطبيعتهم ألين أفئدة وأرق قلوباً فلا عجب أن يهتف بعضهم من فرحتهم بالنصر على السعودية وعلى آل جابر الذي جرعهم المر (بالروح بالدم نفديك يا يمن) يهتفون بالهوية الجمعية التي يضاهون بها الخليج والسعودية افتخاراً كما كان يفعل العرب القدامى فهذا مضري وذا قيسي وذا يماني وهكذا فالأوس والخزرج حجازيون وإن يفاخروا يعودوا لليمانية؛ وعدن وأبين ويافع وبقية مدن ومناطق الجنوب فعلت اليوم هذا تفاخرا على السعودية لا تمسكاً بالوحدة اليمنية السياسية التي جرعته المر، فهي وحدة ضم وإلحاق وفرض واحتلال لا وحدة انتماء وهوية جمعية، ومن حق من أنكر هذا الانتماء جملة وتفصيلاً نكاية بمن بالغ فيه لدرجة الدمج وعودة الفرع للأصل، فما عاناه الجنوبيون من هذه الوحدة التي تتمثل بقوى الشمال ونظام حكمها المركزي المتخلف بصنعاء يصعب محوه أو غفرانه في لحظة نشوة أو فرحة نصر عارمة.

عموماً هذا الشعار كان سائداً في الجنوب قبل الوحدة، وهو شعار عفوي ارتجالي يجابهون به أي تدخل خارجي على السيادة والهوية الجغرافية الجمعية وأعادوا ترديده اليوم في لحظة اللاشعور الباطني نكاية بالسعودية التي لا تفرق في سوء معاملتها بين يمني شمالي أو جنوبي فأنت بنظرهم يماني…

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى هناك بعض المزايدين ظهروا في مواقع التواصل الاجتماعي وقد أخذتهم النشوة بعيداً فنراهم يغردون بنشوة عارمة بأن الناس اليوم أثبتت أنها وحدوية وخرجت دفاعاً عن الوحدة كالمزعبق فتحي بن لزرق، وسيدافعون عنها مهما كان الثمن بعدما رأوا من وحدة القلوب اليوم، وآخرون يبالغون في وصف الحدث وتأثيراته على الشارع في طمس كل خلافات وصراعات ويرفقون علم دولة الوحدة وشعاراتها مع كل منشور ومقال أو صورة تخص المباراة والفوز الذي تحقق اليوم، كل هذا سيزول بزوال نشوة الحدث وتأثيراته على النفوس الفرحة اليوم والمحبطة على الدوام حين تعود إلى واقعها الكئيب، وتعرف أن الدنبوع مازال رئيسها والإرهابي على محسن الأحمر مازال النائب والإخوان المفلسون هم المسيطرون والمتحكمون بالشرعية اليمنية الهاربة في فنادق الرياض، وأن هذه الحكومة وقواها التي تدعم اللاعبين اليوم رياء وسمعة ابتداء من العيسي هي من صفرت خزينة الدولة وفلست البنك المركزي وجوعت الشعب وجرعته الأمرين.

أخيراً ما أثارني بشكل أكبر وكاد أن ينزع الفرحة من نفسي ويمنعني أن أهتف بما كانت تهتف به الجماهير الهادرة والمبتهجة وسط الشارع الرئيس بحي المنصورة مقابل أسواق الحجاز (حيوا اليماني حيوه في الملعب مافيش زيه) شخص بحسب ظني أنه شمالي الهوى والهوية أنزل مقطعاً في إحدى مجموعات الواتس التي تضم كوادر وإعلاميين من الشمال والجنوب تسمى (ساحة حرة) وفي هذا المقطع مجموعة من قرى يافع تطلق الألعاب النارية ابتهاجاً بنصر نجومنا اليوم، وأرفق معه تعليقاً خبيثاً مع علم الوحدة كالذي يقول (يافع وحدوية للعظم)، مع أنه وصف يافع بالعز ولكنه وصف المستميل لتحقيق مئاربه وغاية في نفسه.

ردي أعاد لي رشدي وأختم به (يا عزيزي… هذا الاحتفال والابتهاج لا يعني أن يافع مع الوحدة اليمنية التي مزقتها الأحقاد وقطعت أواصرها قوى الشمال ورموزها القبلية والرجعية التخلفية، إنما لأن يافع وأبناءها وجميع الجنوبيين في عدن وأبين وغيرها من مناطق الجنوب والذين خرجوا اليوم يبتهجون فرحاً بنشوة الانتصار، يعون جيداً معنى الحب الانتماء الوطنية والنصر الذي تحقق اليوم للوطن شماله وجنوبه بعد أن مزقته الحروب وطحنته سياسات القوى الرجعية الشمالية التخلفية المتطاحنة على الدوام دون كلل أو ملل، نعم الانتماء لليمن أمام السعودية ودول الخليج وغيرها نقوله بكل فخر لأنا نعي ماذا يعني بالنسبة لنا وكذا ماذا يعني بالنسبة لهم فخرنا بهذا الانتماء، وكما قالها امرؤ القيس الكندي الجنوبي الحضرمي مفاخراً حين وقف بمثل هذا الموقف:
دمون دمون… إنا معشر يمانون وإنا لأهلنا محبون…

كلنا أمام عرب شمال الجزيرة والوسط ونجد والحجاز في الهم يمن، هم نجد وحجاز ونحن يمن وما دون هذا وذاك فشام ولكننا أيضاً نفاخر بأننا ذات هوية جنوبية عربية خالصة تختلف كلياً عنكم أبناء اليمن الشمالي أو شمال اليمن سموها كيف ما شئتم، وقد أثبتت الأيام والحروب والصراعات والتحالفات ذلك، وأزيدكم من الشعر بيتاً أنه في وضعنا الحالي الذي نطالب فيه بالاستقلال واستعادة الدولة والهوية الجنوبية لا يعني أننا لا نفرح بأي انتصار أو مكسب أو دعم أو نجاح كبير أو صغير يتحقق لليمن على المستوى الثقافي أو الفني أو الرياضي وفرحنا هذا هو لأنها جمعيات سيادية نشترك فيها كلنا ولأنا تحت الهوية الجمعية اليمانية التي نضاهي ونفاخر بها دول الخليج وخاصة السعودية، فمازلنا نعيش تحت راية هذه الوطنية والقومية اليمنية نفاخر أمامهم سواء انفصلنا أو لم ننفصل جعلنا منها في دولتنا اسماً أو لم نجعل، وهي هوية وقومية جامعة تضم كل ما هو يمين الكعبة من الركن اليماني حتى أجزاء كبيرة من بلاد السعودية وعمان وغيرها، ولكن هويتنا ودولتنا فجنوبية عربية خالصة تضم القبائل والمشيخات والسلطنات المحيطة بعدن والتي حكمت هذه المنطقة من المهرة إلى باب المندب وليس لباب اليمن ومملكات ودويلات شمال اليمن أي انتماء أو ارتباط بهذه الهوية الجنوبية الخالصة ولا وصاية علينا إلا بغزو أو احتلال على مر تاريخه إلى اليوم والتاريخ شاهد على ذلك فلا أحد يزايد علينا بشيء ولا يستطيع أحد أن يكدر صفو فرحتنا أو يربطها بجوانب سياسية، وجميع اللاعبين منا وفينا إلا ما ندر ومن حقنا أن نفاخر بهم ونبارك لهم هذا النصر البطولي فهم نجوم دولتنا القادمة.

د. أمين القعيطي
١٣/ ١٢/ ٢٠٢١م

Author

CATEGORIES