ليس دفاعًا عن الزنداني بل دفاعًا عن الحقيقة

ليس دفاعًا عن الزنداني بل دفاعًا عن الحقيقة

لم يكن تصريح وزير الخارجية الدكتور شائع محسن الزنداني إلا كشفًا للحقيقة التي يرفض البعض في المجلس الانتقالي مواجهتها، فالرجل لم يتجاوز حدوده، ولم يتحدث خارج اختصاصه أو عن سوء نية، بل قال ما بين يديه من معطيات ووثائق رسمية تؤكد أن خيار حل الدولتين ليس مطروحًا على طاولة أي نقاش سياسي، لا في أروقة الشرعية ولا في أجندات القوى الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة اليمنية.

حديث الزنداني لم يكن هجومًا على الانتقالي كما صوّره البعض، بل جرس إنذار سياسي يدعو المجلس إلى مراجعة حساباته، والخروج من دائرة الوهم التي يسوقها لنفسه وللشارع الجنوبي، بأن الدولة الجنوبية قاب قوسين أو أدنى من التحقق. الحقيقة كما قال الوزير : أن القضية الجنوبية اليوم خارج مسار التسوية السياسية لأي حل قادم للأزمة اليمنية.

فكل ما ورد في اتفاق الرياض ومخرجات اللقاء التشاوري في الرياض لم يتضمن سوى فقرة واحدة عابرة عن “البحث عن إطار سياسي لحل القضية الجنوبية”، دون أي التزام واضح أو ضمانات تضع هذه القضية في مركز الحلول المطروحة.

الغريب في الأمر أن الهجوم على الوزير الزنداني جاء من نفس الأصوات التي كانت حتى الأمس القريب تشيد به وتصفه بالدبلوماسي الكفؤ والمثقف الهادئ والوطني الصادق، وفجأة، لمجرد أنه نطق بالحقيقة، تحوّل في نظرهم إلى “وزير فاشل وعميل للشرعية.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا :
– هل أصبح الانتماء للشرعية تهمة تستوجب العقاب؟
– وهل نغفل أن معظم قيادات المجلس الانتقالي أنفسهم جاءوا من داخل الشرعية وتدرجوا في مناصبها قبل أن ينتقلوا إلى صفوف المجلس؟
– فإن كانت الشرعية “تهمة”، فلماذا لا تطالهم هي أيضًا؟

من الحكمة أن ننظر إلى تصريحات الوزير الزنداني لا كخصومة، بل كفرصة للمراجعة السياسية، فقد قال الرجل ما لم يجرؤ كثيرون على قوله : أن حل القضية الجنوبية ليست مطروحة فعليًا ضمن أولويات المجتمع الدولي ولا التحالف العربي ولا الرباعية، وأن مسار التسوية الحالي يمضي في اتجاه تثبيت الشراكة القائمة لا في اتجاه استعادة الدولة الجنوبية بأعتبارها الخيار الذي يعول عليه.

لقد وضع الزنداني النقاط على الحروف، ونزع الغشاوة عن أعين من أراد أن يعيش في الوهم، فالقضية الجنوبية، رغم عدالتها، تُستبعد من طاولة الحلول الواقعية بسبب غياب الموقف الموحد، وتشتت الصف الجنوبي، وركون بعض القيادات إلى الشعارات بدلًا من العمل السياسي الفاعل والمثمر.

إن الحقيقة التي قالها الوزير لا تنتقص من الجنوب ولا من قضيته، بل تضع الجميع أمام مسؤولياتهم، فبدل الهجوم على من ينطق بالواقع، علينا أن نبدأ مواجهة هذا الواقع بجرأة وعقلانية، وأن نسأل أنفسنا :
– كيف نعيد للقضية الجنوبية مكانها الطبيعي في مسار التسوية السياسية؟
فليس الدفاع هنا عن الدكتور الزنداني، بل دفاع عن الحقيقة التي مهما حاول البعض إنكارها، ستظل تفرض نفسها على الجميع.

بقلم العقيد. محسن ناجي مسعد.

Authors

CATEGORIES