رحمة الحوشبي وافتهان المشهري ولوج في الزمان الخطأ

اعتقد أنّ العنوان فيه ما يغني عن التعريف والكلام، فاختيار المجيء في الزمان الخطأ مكلف إن لم يُدفّع صاحبه روحه سيدفّعه أثمان مضعفة… وأنا أطالع منشور واحدة ممن أشتملها العنوان: الكابتن طيار ملازم أول رحمة الحوشبي، انتابني شعور بالحسرة والندم، ومستمر على هذا الحال ما سوى خفف الوطأة عنّي المثل الشعبي القائل: ( يا غرير أنظر لمن قَدَم ) ورحمة كما يبدو ومن دفعها لاقتحام غمار تخصص عرف بحصريته على الرجال، لم تتعظ بسابقها من أولئك الأشاوس الذين تزخر بهم الساحة الجنوبية، وقد تحولوا بفعل فاعل بين عشية وضحاها، من نسور جارحة تحلّق فوق السحاب، إلى طيور داجنة مقلّمة الاظافر مقصوصة المناقير تقف على الرصيف عرضة لشتى صنوف القهر والإذلال.

فليس المؤلم أن الأخت الفاضلة لم تجد من يوم تخرجها برتبة ملازم كابتن طيار طائرة تحلق بها في السماء عاليًا، لتتمكن تبرز موهبتها وما اكتسبتها من خبرة تعود على الوطن وعليها بالنفع والفائدة، كما عادت على الكابتن طيار الإماراتية مريم المنصوري، والتي برز دورها الدعائي في غمرة فرح الجنوبين أبان زحمة عاصفة الحزم ثم غابت من بعده وصارت أثر بعد عين، ما نراها سوى على غلافات رداءات النسوة وما يطلق عليه أهل عدن ولحج بالمقرمة، فهذا أمر مؤكّد بأنها لن تجده في وطن يكافح أفراده من أجل العيش ورغيف الخبز وبالكاد يحصلوا عليه، إلّا لتحشر بين أكوام أوراق شبه وزارة رمزية لا تستطيع دفع رواتب وبالأحرى إعانات منتسبيها لشهور متتالية، إنما المؤلم لكونها أمرأة جمح بها خيالها فوق الّازم والمتاح؛ إذ لم ترحمها وترفق بها عدالة أبناء جلدها، وهناك من صار يرى في موقعها عنصر مخالف لمنطق الطبيعة – الواقع – المؤامرة، والأخيرة المعروف أن لها عِمدان متخصصة وجاهزة لإرعاب وإرهاب كل من تتوقع فيه سيُجلب ضوءًا أو سيُشعل شمعة في طريق الظلام.

فلكي تسلب شعب إرادته، وتهكّر حاضره، وتطمس ماضيه، لتبعث به إلى غياهب الضياع والتوهان، ما عليك سوى أن تحارب الأمل لديه، وتسد أمامه كل منفذ تعتقد أنّه يؤدي للخير ويبعث على التفاؤل، ليتاح للإحباط واليأس يتسرب إلى كل قلب، ويسود على جميع زوايا وأرجاء المكان.

مالم يخطر ببال رحمة وقبل خوضها معترك كهذا، تبحث من خلالة عن استعادة مكانة المرأة الجنوبية وإثبات دورها في المجتمع، بأن الوطن أساسًا هو مصادر ولم يعد للرجال الأوفياء والمخلصين فيه مكانة شأنهم شأن النساء يجلسون في البيوت يتشاركون مع الأخيرة روتينها اليومي في التهيئة والغسيل وإعداد وجبات الطعام، وبحاجة منهم كي تنجح إولًا لاستعادته من فم الوحوش الضارية، وهي وبالمناسبة على كثرتها لايعرف شرفها من طرفها، ومن نستند إليهم ونسمّيهم بالجيش الجنوبي، صاروا رفات منسيّة، أخذتهم الصيحة الكبرى في طريقها وبعثت من ساعتها بسوادهم الأعظم على الصراط المعوج يتلقون الحساب والعذاب الأبدي أموات أحياء.

الثابت تاريخيًا لم يذاع صيت اليمن ويعلو شأنها، إلّا في عهد الملك السبأي ( التبع اليماني ) المسمّى بكرب الوتر وامرأتين فقط أتين على أزمنة متباعده من قبله ومن بعده ( بلقيس وأروى الصليحية ) وما دون ذلك فهي عرضة للتبعية وتعيش بين التمزّق والخراب، وبهذا الشكل نستنج من المعطى بتقسيم حصة مجد تبلغه اليمن أقرب للتأويل ويقع نصيب الأنثى فيه مثل حظ الذكرين، وتلك بمثابة العقدة التي تغيض الرجال وتخيفهم ولتجعلهم يحاربون لإسكات كل صوت نسائي يبرز للعلن.

فالمسألة ليست خشية مسؤول متنفذ مزاحمة أمرأة له على موقعه؛ بل هي أعقد من ذلك بكثير، وتتجاوزه إلى قضية تتشابه من حيث البعد السياسي والاجتماعي مزامنتها مع قضية افتهان المشهري، ومن منطلق قول الشاعر “من لم يمت بالسيف مات بغيرهِ وتفرقت الأسباب والموت واحدُ. واحدة تحلّت بشرف المسئولية وأخذت تصرخ في وجه الفاسدين صرخة رجع صداها ثلاثون طلقة نارية هشّمت جسدًا وازهقت رواحًا لطالما عملت عن تلقاء نفسها تبحث عن إروى الجماهير المتعطشة لإظهار الحقيقة ومعرفة مكامن الخلل في دوائر الضجيج. والأخرى تدور في نفس فلك العنصرية نصفها الآخر تقابله على كل لحظة وثانية وجه لوجه؛ فلخوف أولئك من قبيل تبوّأ أمراة مكانها في سلاح هام كسلاح الجو، سيقرّبها وبنات جنسها والجميع من المواطنة المتساوية، بما قد تصبح في المستقبل ملهمة وإقونة نسائية تبعث الأمل وتعكس ما فِشل فيه الرجال، ومن باب الجندية ذاتها التي اختطفت وطن واثخنته جراحًا، وهكذا وقبل أن تتقلد الأوسمة والنياشين على صدرها ويُرصّع كتفها بالنجوم والطيور، ما كان عليهم إلّا أن يقتلونها من الداخل يضايقونها ويوصدون أمامها الأبواب وبدعاوي متعددة، لعلها تيأس وتضجر فتضطر عندها لأن تعلن تخليها عن حلمها وهدفها المرسوم لمعانقة صنو القمر، ولتعود إلى مقرها الطبيعي، وعليها أما تقبل العمل في تفصول بدلات الجنود كما عرض عليها، وأما تختار الذهاب للبيت تسجن بين حيطانه الأربعة فلا تغادره إلًا إلى القبر.

Author

CATEGORIES