تقارب السعودية وإيران ووطنية الحوثيين المفاجئة
يتناول هذه الأيام بعض المحللين السعودين ممن تظهر كما تعودنا دائما على شفايفهم نبرات الارتياب والارتياح السعودي تصريحاً مفاده: بأن الحوثين يرفضون المشاركة في العملية السياسية، وبهذا يدعوا الجميع بالزحف نحوهم لإرغامهم على الامتثال لذات الهدف.
في رأيي ومادام الحوثين قبلوا او بالأحرى سيقبلوا بمبدأ وقف الحرب، فمن البديهي بأنه عند استكمال ترتيبات الحوار وعقد المصالحة نزولًا عند رغبة الجميع في إحلال السلام سيتحولوا اليٌٓا إلى مكون سياسي مشارك في الرئاسة والحكومة دونما حاجة لعرض مُسبق يحثّهم بأي شكل من الاشكال على التقيّد بهذا البند.
وعليه يكون ما يرد من هؤلاء المحللين قد ربما ليس إلا كذبة ابتدعت لتضليل الرأي العام ولإزاغة بصره عن ملفات أخرى ساخنة يعتبرها الحوثين إلى الآن لاءات وخط احمر لأيمكن القفز عليها او تجاوزها، واحداً منها ليس للحصر: تصنيفهم للسعودية كطرف رئيسي في الصراع وبهذا يُنزع عنها حق الوساطة ما يعنيه لهم تحميلها قدر كبير من مسؤولية الحرب، يضاف إليه تمسًكهم بضرورة احتضان صنعاء للحوار بغرض إضفا عليها طابعاً من الهيبة كعاصمة وأيضا كمحاولة منهم عزل خصومهم عن التأثير الاقليمي والدولي.
فعند تسريب المقطع المصوّر لوزير الدفاع السابق اللواء محمود الصبيحي المحرر من سجنهم حديثا تلقّفوه بسرور بالغ ولم يتبرموا منه كما تبرّم منه البعض، والسبب أظنه يعود لذكره صنعاء ودعوته لعقد جولات من القاءات والمشاورات بين جميع المكونات السياسية فيها، وهذا دليل واضح على إن ما يصدر عن كلام يتهم الحوثيين برفض المشاركة في اي شكل من اشكال الحكم والاكتفاء بما تحت إيدبهم هو مجرّد ترهات ليس إلا هدفها التمويه على ما يدور وراء الكواليس من خلافات معقّدة.
فكأني بهم من بعد التقارب الإيراني السعودي بلغوا الحلم وارتأوا شيئا من الحكمة، ليفطنوا أخيراً بأنهم من ٢٠١٥م صاروا ضحية استقطاب محلّي وإقليمي أراد بهم تمرير إجندات سرّية للغاية، وبعد أن قضي بهم وطرا شرع لتوّه التفاوض على تحريزهم وقد يفضي في نهاية المطاف بهم تحت الإقامة الجبرية دون ما تحقيق أدنى مستوى من تطلعاتهم واهدافهم المرجوّة،
فالمال السعودي على حد وصف أحد الرؤساء العرب في مقطعاً صوتي سرٌب له أبان مطلع الربيع العربي (زي الرز) بهذا هو كفيل أن يُسيّل لعاب أي طرف مهما كانت اعتباراته السياسية وتحصيناته المذهبية، والنظام الإيراني ليس في حلِِ عن هذا الأمر، فناتج ما يعانيه من أزمات وشح للامكانيات في ظل حصار غربي امريكي مطبق عليه يقابله خذلان وعجز حلفائه الرسمين كالصين وروسيا عن إلقيام بدور يحسن من وضعه القائم ومازال يوما عن يوم ينزلق نحو الهاوية، يبدو أنه وقد سنحت له الفرصة لن يفوّتها بالمرة، خصوصا ولأن ما سيجنيه من تحسين علاقته بالسعوديه ذا مصلحة كبيرة له إذ تعتبر في هذا الظرف بمثابة طوق النجاة الذي سيحد من الغضب الشعبي المتصاعد ضده ويمنحه قدراً من الراحة، لهذا فلا مشكلة عنده مادام المسألة بهذه الأهمية أن يجعل من الحوثين كبش فداء مّسقطا مواقفه السابقة التي سجّلها معهم ولصالح الحليف الجديد والمعتبر.
وفق هذا المنظور المحتمل يتوجس الحوثين خيفة وخشية، وما بوسعهم إلا أن يتوجهوا نحو الداخل وليرموا الكرة في ملعب شرعية الشرعية وانتقالي الشرعية مجتمعين داعينهم للتحرر هم الآخرين من قيود الوصاية المفروضة عليهم والجلوس إلى طاولة حوار يمني يمني دون شروط مسبقة، وهذا بالفعل ما كأنهم قد بدأوا الآن يُعملوا لأجله بحذر استباقا لأي طارئ.
وأن بدت المسألة ذات أبعاد مخالفة للإرادة الوطنية وذلك للبينية الناشبة على مستوى الشمال نفسه من جهة وللبون الشاسع مع الجنوب من جهة أخرى تزكيها السعودية من ساهمت مساهمة مباشرة وغير مباشرة على مر المراحل القريبة والبعيدة في رسم ملامح أغلب الخلافات السياسية إن لم يكن جميعها، واليوم وقد صبّت حميما واصبحت مهددة للداخل ومقلقة للخارج، فلا هي ثبتت وعملت على إزالة كل العوائق والمسببات التي تحول دون إرسا دعائم أمن استقرار دائم، ولا أنها وقفت بمنائ وتركت أمور البلاد لمن هم أجدر بحلّها، وفوق هذا وذاك ما زالت تشرع إلى هذه اللحظة في استكمال برمجة إجراءات وقائية تحد مستقبلاً من بنا الدولة اليمنية القادرة على حل مشاكلها بنفسها وفق ما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا وهذا هو مربط الفرس.




