سوريا وما بعد الصدمة الأولى صدمة ثانية
تكالُب المُواجع والمصائب على رؤوس السوريين قد فاقت حدود ما لبشر تقبّله وتحمّله، فمشاهد الدمار والخراب نسبة لما يعيشه سكانها من أوضاع معيشية مزرية وصعبة ناتج الحرب والحصار لا يمكن إستيعابها، فمن ساعة سماع نبأ ما حل بها من زلزال كهرمان مرش تركيا كأنّه صار لا بقاء لحياة عليها باقيا وأن ثبت عكس ذلك.
لوجه الدمار الذي خلّفه الزلزال أوجه كثيرة ومتشابهة والأهم منه هو دمار النفوس وما تركه من ألام ومواجع يغص به السكان حزنًا وبكاء فمن بعد طول صبر وتحدٍ ولمدة اكثر من اثني عشر عام مع الحرب تحمّل فيها السوري ماتحمّل من متاعب الهجرة والنزوح المستمر ليتأتي زلزال فجر نهارًا بعد ليلًا شتأئيًا قارس بلا موعدًا فيكمل ما قصر من العذاب وما نقص من الأغتراب.
يالها من مواقف محزنة لأطفال أتراك وسورين قضوا نحبهم بالكارثة وآخرين ناجين أصبحوا بلا مأوى ولا أهل، في لحظة فارقة تقدّر بثواني تحولوا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى مقطوعين من شجرة لا أحدًا يعرفهم لا أحداً يشعر ما يعانون فيحّن عليهم يتلّمس حاجياتهم يخفف من روعتهم، يخيّل للكثير من يشاهدهم تشابه الموت والحياة ولتتقارب المسافة بين الأثنين فلا يفصلها في عيونهم فاصل!، أين كانوا وكيف صاروا ماذا بقي لهم من أملٍ متمسكين به سيساعدهم على النهوض واستقبال حياتهم الجديدة؟ أسئلة كثيرة وكثيرة تطرح صعب الأجابة عليها… إلا آه. آه بقايا من حروف جوابًا يخفف وطأة المصيبة وعند إختناق الحناجر واغتلال اللسان بالكلام.
ولكم هي أيام الزلزال الأولى التي مرت ثقيلة وموجعة على كل من طالته الصدمة، ولكن قدر نصيب السوريين يقع فيها من غير نصيب الأترك، فهم من سيتلقفوا الصدمة بصدمتين…الأولى انتهت ولم تنتهي، وقد تركهم العالم لمصيرهم يقاومون هول الكارثة في ظل شّح الأمكانيات ومنها التي تسرّع من عمليات رفع الأنقاض وإنقاذ الناجين ومداواة المصابين وإنتشال الجثث، يضاف إليها عدم القدرة على توفير السكن الملائم للأسر المنكوبة في ظل ما يشهده شمالها من طقس بارد وقاسي.. والثانية صدمة ما بعد الصدمة فهذه ما أن بدأت ليس لتنتهي، فحين هدوء الأعصاب ليترى الواقع كما هو عليه شاخصًا للأبصار مرعبًا للنفوس فيدب من جديد وجع ثاني وجع سيلقي بظلاله عليهم لسنوات وربما عقود من الزمان وذلك في عدم وجود الدولة القادرة والمستقدرة على المساعدة والدعم والتخطيط، فهم بالتأكيد لن يروا ما كان قائم بذاته من قبل أن تحل الكارثة يعاد ترميمه وإعماره فسيبقى خرابًا وأطلال تحكي للأجيال والتاريخ عن زمن الحرب وكارثة طبيعية تزامنت معه حلّت بسوريا بقوة 8’7 على مقياس ريختر لتزيدها مآساي فوق مآسيها يرافقها خذلان العالم البعيد منها والقريب لها، وهذه بحد ذاتها من ستكون العقدة الكبرى التي ستحملها القلوب حقدًا وكراهية للأبد، وكما يفندها ويؤكّدها ضمنيًا مبعوث الحاجات الإنسانية للشرق الأوسط مارثن جرفث ويقول: بأن سوربا تُركت تلاقي مصيرها لوحدها.




