السلام والجنوب والحوثية المبتذلة
عندما يتعذر الحوار في إيجاد صيغ تقاربات بين الخصوم فمن الطبيعي بأن تكون الحرب هي البديل الملائم لأنتاج الأمن والإستقرار وذلك بما يتمخّض عنها من مجريات على الأرض، لكن فكما نشاهد تعاملات التحالف إزاء ملف عودة الشرعية ما هي إلا تحدّثها بإستمرار وعند كل مرة تخلع عنها حليف من حلفائها تقوم وتلبسها خصمًا من خصومها، وهذا معطى سياسي يقودنا إلى إستنتاج كافي هو: بأن الشعارات التي رفعت أبان إنطلاق العاصفة 2015م ما هي إلا للتسويق الإعلامي فقط والمراد بها الوصول لأهداف غير معلنة!.
فالمشهد اليمني برمته ما يوم يمر من أيام الحرب إلا ويتابع تجّذره طائفيًا وزادت وتيرته ترتفع وذلك من بعد الزج برموز من أبناء تعز للإصطفاف خلف المجلس الانتقالي، وليتعمّق بتشكيل المجلس الرئاسي أزيد وأزيد. ما يوحي بأن الخارطة السياسية المعتمدة لا تأخذ بيد طرف أو طرفين بعينهما وإنما هي تضع إعتبارًا للجميع إنطلاقًا من محددات الصراع ذاتها وما فرضته من أحداث ووقائع تجاوز بها التحالف أمكانيات مجمل الفرقاء عن إحراز النصر وما زال يسير إلى هذه اللحظة وفق إستراتيجيات غامضة.
فهيمنة الإخوان من بعدما بلغت ذروتها في عهد الرئيس هادي بغيابه تراجعت في ظرف وجيز وهي الآن تترنح محاصرة بين عدّة جبهات، والجنوبيون صاروا يجهزوا على ما بقي لديها من قلاع وحصون أحتمت بها شرقًا ووسطًا، إلا أن لأمر توافقهم مع الشمال من بعد ذلك هو الحلقة الأهم والأصعب في معادلة الصراع. وكما هو بيّن بأن الحلول والمخارج قد أخذت من قبل اللاعبين المعتمدين مساحة كافية من الإنتاج والتمهيد ولم يبق سوى تنفيذها على الواقع، وهذا ما يفسّره إرتفاع نسبة الضغوطات المباشرة والغير مباشرة التي طالت وتطال الجنوبين أنفسهم أبرزها الاستهدافات الأخيرة من قبل الحوثين وأتت من بعد هدنتين متتاليتين أتاحت لهم في ظل تقاعص وغياب سلاح الجو السعودي الإماراتي الرادع والهجومي لإعداد أنفسهم ثم معاودة الكرّة مرة أخرى.
فالملف الجنوبي ببعدة السياسي والإنساني يقف على نقيض من الشمال وبصورة عامة، لا مجرد تابع لطرف بعينه مقابل طرف آخر، لهذا السبب كل المحاولات حياله لازالت تبؤ بالفشل فقد أستعصى ترويضه وإختزاله بكذا طريقة في قضية صرع مذهبي سياسي دائر بين تيارين واحد إنقلابي يجنح لإيران والآخر مُنقلب عليه مستنجدًا بإشقائه العرب.
لذلك فالإصرار على المضي في هذا النهج والذي إلى الآن لم يحقق للجنوبين أي نتائج مرجوة منها عداها القتل والخراب والدمار، فإن المسألة من هنا تصبح ذا أبعاد قانونية وأخلاقية سيتطلّّب عندها من المنظمات الحقوقية الجنوبية والمساندة في الشأن ذاته للقيام بدورها من المتابعة والتوثيق بما يمكنها مستقبلًا من مقاضات المتسببين الرئيسين أمام المحاكم الدولية.
وعليه فإذا آمنا بالسلام اليمني المنشود كفكرة سامية قابلة للحياة والإستدامة، ومطلب أساسي يعمل على إرساء دعائم الأمن والإستقرار محليًا وإقليميًا ودوليًا، فعلينا أن ندرك بأنه لا يقع في سلام واحد وإنما هو في سلامين أثنين واحد رئيسي مبنى على الوقائع والأحداث التاريخية والآخر فرعي مبنى على المبتذلة والتي عمرها وإن زاد كوده لا يتجاوز العقد إلى العقدين من الزمان.




