المناضل الشيخ يحيى قحطان يكتب عن فقيد الوطن المناضل الكبير الشهيد محمد صالح مطيع في ذكرى استشهاده

قال الله تعالى (وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَن یُقۡتَلُ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ أَمۡوَ ٰتُۢۚ بَلۡ أَحۡیَاۤءࣱ وَلَـٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ) ،
و قال الله عز وجل (مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ رِجَالࣱ صَدَقُوا۟ مَا عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَیۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن یَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُوا۟ تَبۡدِیلࣰا) ،
كم هو عظيم ان نقف وقفة اجلال واكبار ، المفعم بالتحية و التقدير ، والامتنان و العرفان ،
لرفيقنا و شهيدنا الاخ العزيز والصديق الكريم ، اعز الرفاق ، واكرم الكرماء ، واوفى الاوفياء ، واشرف الشرفاء ، انه المناضل الكبير ، والمكافح الغيور ، والفدائي الجسور ، الشهيد محمد صالح مطيع ، طيّب الله ثراه واسكنه فسيح جناته ،
وذلك لاحياء الذكرى ٤٣ عام لاستشهاده واعدامه من قبل رفاقه ، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل ،
ولا ريب فإن حياة الشعوب زاخرة بالامجاد
والابطال ، والقاده المصلحين الاخيار ،
أولئك الغر الميامين ،
المجاهدون الابطال ، والمناضلون الاحرار ، والشهداء الابرار ،
الذين يأبون الضيم والهوان ، ويرفضون الظلم والطغيان والاستبداد ، ويعشقون الجهاد في سبيل الله ،
من أجل السلامة والاسلام ، والحرية والاستقلال ، والامن والسلام ، والعدل والاحسان ، متسلحين بالعقيدة الاسلاميه السمحاء ،
عقيدة الحرية والمحبة والايثار ،
عقيدة التوحد والتصالح والوفاق ،
عقيدة التراحم والتسامح والوئام ،
مضحين براحتهم الوادعة ، ومهجهم الغاليه ، ودمائهم الطاهره ، من أجل حرية وكرامة بلادهم ومواطنيهم ، وطرد المحتل البريطاني من أرضهم الطيبه ، ومن عدن الوادعه عدن الحضاره والسلام ومن جنوبنا الحبيب ،
ولذلكم فقد كان رفيقنا الحبيب وشهيدنا المجيد ، البطل الهمام ، الشهيد محمد صالح مطيع ، في مقدمة تلك الكوكبة الريادية والمناضلة والفدائية ،
والذين استعذبوا الكفاح والنضال المتواصل ،
منذ فجر ثورة ١٤ اكتوبر الخالده عام ٦٣م ،
ضد الاستعمار البريطاني ، ومخططاته العدوانيه ،
أنها بريطانيا المتصهينه والنازيه ، والتي استولدت اسرائيل الارهابية سفاحاً في فلسطين العربيه ظلماً وعدواناً ،
حقاً انهم مناضلونا الاحرار الذين التزموا بالجهاد والنضال المتواصل ، لكي يهبوا لامتهم عذب الحياه الحره والكريمه ،
وتحقيق الاستقلال الوطني في ٣٠ نوفمبر ٦٧م ،
ونحن عندما نحيي ذكرى استشهاد وقتل رفيقنا الشهيد محمد صالح مطيع ،
فانه ينبغي علينا جميعاً ، الاشاده بدوره النضالي ، وذكر مناقبه المثاليه ، وشجاعته النادره ، وأخلاقه الفاضله ، وسيرته الحميده ، ليكون لنا ولاجيالنا خير قدوه واحسن اسوه ،
وكما أرشدنا رسولنا الكريم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ( اذكروا محاسن موتاكم ) ، ومن باب اولى ذكر محاسن شهدائنا.
أجل لقد كان رفيقنا مطيع في مقدمة تلك الكوكبه الرياديه والمناضله والفدائيه ، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، وفي المقدمه منذ يفاعته وشبابه حيث كان من رواد وقادة الجبهه القوميه ، رائدة الكفاح المسلح ، والتي انطلقت في ١٤ اكتوبر من على قمم جبال ردفان الشماء عام ٦٣م ،
حقاً لقد كان الشهيد مطيع ، يمثل نموذجا فريداً ، لتحليه بالقيم الايمانيه و الاخلاقيه ، والنقاوه الوطنيه والتحرريه ، والنزاهه الشخصيه.
ولقد أتصف رفيقنا الشهيد مطيع بالشجاعه والاقدام في الجبهات والخطوط الأمامية بفدائية نادره ، وكان له صولات وجولات يخوض الملاحم البطولية والأعمال الفدائية في ميادين الشرف والكرامه والتحرير ، ضد قوات الاحتلال البريطاني ، في روابي صيره وشمسان ، وضواحي عدن والتواهي والشيخ عثمان ، وجبال الضالع ويافع وردفان ، وفي كل انحاء الجنوب.
وعند قيام المسيره الاصلاحيه التحرريه في يافع بقيادة الجبهة القوميه في شهر يوليو عام ٦٧م ، من أجل إصلاح ذات البين وانهاء الثارات والفتن والحروب القبليه ، وترسيخ النظام والقوانين ، كان رفيقنا مطيع يزورنا الى يافع بين حين وآخر ويقدم لنا توجيهاته الرشيده ، والمشاركه في تشجيع المبادرات الجماهيريه في بناء المدارس وشق الطرقات وقيام المشاريع والتعاونيات في المديرية.
وبعد تحقيق الاستقلال الوطني في ٣٠ نوفمبر ٦٧م كان الشهيد مطيع قد شغل عدة مناصب قياديه منها وزير الداخليه ، وفي عام ٨٠م ، وزير للخارجية ، ونعم الوزير الكفؤ فقد كان بحق صقر الجزيرة العربية ، حيث أتصف بالحكمة والحلم والمرونه ، والحفاظ على الأخلاق الفاضلة والتعاليم الاسلامية السمحاء ، القائمه على الوسطية والاعتدال ، واحترام الرأي والرأي الآخر ، والتحلي بالتصالح والتسامح والسلام وحسن الجوار مع دول الخليج ، حيث كان يحاول التعامل خاصة مع المملكه العربية السعودية ودول الخليج بكياسة وتسامح وحكمة وحنكة سياسية ، وكان يبذل مساعيه الحميدة والدبلوماسية للتوصل الى تطبيع العلاقات الاخويه ، القائمه على حسن الجوار ، والعلاقات المتكافئه والاحترام المتبادل ، بدلا من العداء والجفاء والمقاطعة ،
لقد كان الرفيق مطيع من أبرز قيادات اليمن الجنوبي ، ومن الشخصيات القوية والحكيمة والمعتدلة ، والتعامل بمرونة في عالم القيادة والسياسة والنواحي الدبلوماسية ، يتمتع باخلاق عالية ، وحنكة سياسية فريدة وخاصة في العمل الدبلوماسي كوزير للخارجية ، وكانو يسمونه “رجل المهمات الصعبة” ، حيث عمل كوزير للخارجية على اقناع المملكة العربية السعودية ، والإمارات والكويت بفتح صفحة جديدة مع الجنوب ، وتحقيق التصالح والتسامح والتواصل ، بدلا من الجفاء والخصام والمقاطعة.
وكان يقول الرفيق مطيع ” أسعد يوم في حياتي ، عندما رأيت علم اليمن الديمقراطيه يرتفع فوق منظمة المؤتمر الاسلامي ” ، والذي انبثق عنها مجمع الفقه الاسلامي ، ولقد حضرنا أول جلسة في مكة المكرمة في مجمع الفقه الإسلامية نمثل اليمن الديمقراطية ، وبعد ذلك عينا صاحب الفضيلة الشيخ محمد عبده عمر خريج جامعة المدينة المنورة ، والازهر الشريف ممثلا لليمن الديمقراطية في مجمع الفقه الاسلامي ، ولا يزال الشيخ محمد عبده ربنا يحفظه ويرعاه عضوا في مجمع الفقه الاسلامي.
ونظرا لأن الرفيق مطيع قد نجح في تحسين العلاقات مع الاشقاء في دول الخليج ، وبتكليف من القياده لم يكن من الطابور الخامس الذي اخترق المكتب السياسي للحزب الاشتراكي من وراء الجدر ، إلّا أن رفض التقارب بين الجنوب ودول الخليج ، وخاصة مع المملكة العربية السعودية ، واعتبروا ما قام به الشهيد مطيع يعتبر خيانة وعماله ، ولذلك طلب المكتب السياسي من الوزير مطيع تقديم استقالته ،
وفعلاً قدم مطيع استقالته كوزير للخارجيه في ٢٠ /٧ /١٩٨٠م ، وفي ٧ /٨ /١٩٨٠م تم اعتقاله ووضعه في السجن بدون أي مبرر قانوني ، لذلك فقد استاء الكثير من المواطنين والرفاق لإعتقال المناضل مطيع وايداعه في السجن ظلماً وعدواناً ، وأذكر أنني كنت عضو في مجلس الشعب الاعلى ، واستنكرنا سجن الرفيق المناضل مطيع ، وطالبنا الجهات المسئولة في قيادة الحزب والدولة توضيح التهم الموجهة الى مطيع ، وكان الرد من بعض الأخوة أنه عميل للرجعية السعودية ، والامبريالية الامريكية ،
وكان ردنا إذا كان مطيع عميلا كما تقولون فنحن وأنتم عملاء للرجعية والامبريالية الأمريكية .
وعندما تواصلنا مع وزارة أمن الدولة سلموا لنا ملف فيه وثائق بلاغات كيدية مزوره تضمنت بأن الرفيق مطيع كان ينوي انقلاب لصالح السعودية ، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وفي ١٧ ابريل عام ٨١م قام المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني للأسف الشديد بإصدار حكم الإعدام على المناضل الكبير محمد صالح مطيع ، وتم تنفيذ الإعدام بطريقة وحشية لم يشهد لها التاريخ مثيل ، مخالفين بذلك الدستور والقوانين المرعية ، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل .
ولأن الشيء بالشيء يذكر كما يقال ، فانه في احدى الجلسات مع الرئيس علي عبدالله صالح ، بعد الوحدة في صنعاء ، يقول لنا كيف كان أعدام مطيع ؟ ولماذا سكتم يا يافع على أعدام مطيع ؟ قلت والله يا اخ الرئيس لم نسكت واستنكرنا ذلك ، وقال هل جميع أعضاء المكتب السياسي وافقوا على أعدامه ؟ قلت نحن لسنا في الحزب ، ولكن اعتقد أن بعض الجنوبيين يمكن عارضوا ، وإنما الأعضاء من جماعة حوشي كلهم وافقوا على أعدام مطيع ، قال لنا الرئيس علي عبدالله ، كل الحضور من أعضاء المكتب السياسي وافقوا على أعدام مطيع ، وللعلم يا شيخ يحيى المكتب السياسي للحزب الاشتراكي يعقد جلساته في عدن صباحاً ، وفي العصرية يكون المحضر عندي ، قلت أنت صادق يا اخ الرئيس .
هكذا كنا مخترقين ماضياً وحاضراً والله المستعان ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
لقد ارشدنا رسولنا الكريم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام (ان من عباد الله من لو اقسم على الله لابره) أو كما قال ، وهاهو الرفيق المطيع الهمام والمقدام ابن الجنوب البار ، قد تحقق ما كان يناضل من اجل تحقيقه واكثر من ذلك ، وذلك بتطبيع العلاقات الدبلوماسيه والاخويه مع السعوديه و الامارات و دول الخليج .
وأصبح علم المملكه العربيه السعوديه ، وعلم الامارات يرفرفان اليوم بجانب علم اليمن الديمقراطيه (فَٱعۡتَبِرُوا۟ یَـٰۤأُو۟لِی ٱلۡأَبۡصَـٰرِ).
قال الله عز وجل (۞ عَسَى ٱللَّهُ أَن یَجۡعَلَ بَیۡنَكُمۡ وَبَیۡنَ ٱلَّذِینَ عَادَیۡتُم مِّنۡهُم مَّوَدَّةࣰۚ وَٱللَّهُ قَدِیرࣱۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ)
لقد دفع الرفيق مطيع حياته ثمنا لمساعيه الحميده من اجل تطبيع العلاقات الدبلوماسيه مع السعوديه ودول الخليج ، وتم اعدامه ظلماً وعدواناً .
ونحن على ثقه بأن اغلب اعضاء المكتب السياسي قد ندموا لاصدارهم حكم الاعدام على المناضل الرفيق مطيع .
لذلك على الاخوه اعضاء المكتب السياسي للحزب الاشتراكي ماضياً وحاضراً ، تقديم الاعتذار ورد الاعتبار للمناضل الكبير الذي سبق عصره الشهيد محمد صالح مطيع ، وايضا تقديم الاعتذار لكل الحركات الوطنيه والمكونات الاجتماعيه و السياسيه ولشعبنا الجنوبي العظيم ، وعفى الله عما سلف ، قال الله تعالى (.. فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ ..)
ولا ريب فحينما اخلدت روح شهيدنا المناضل الكبير الرفيق محمد صالح مطيع الى ربها راضية مرضية ، حينئذ تتجدد حياة شهيدنا المثاليه بين اوساطنا ، وتتعمق منظومة قيم شهيدنا الايمانيه والنضاليه والاخلاقيه والتصالحيه والتسامحيه ، وسيرته الحميده والعطره في وجداننا وذاكرتنا.
حقاً انه حي بمبادئه العظيمه ، ومسيرته النضاليه الوطنيه والتحرريه.
وفي ذكرى مرور ٤٣ عام على استشهاد رفيقنا المناضل مطيع ، وأمام الاوضاع المأساويه ، والازمات والمعاناة الذي يعيشها مواطنونا ، كأننا بشهيدنا الرفيق مطيع يطل علينا من رحاب الله ولسان حاله ينشدنا :
سيذكرني قومي اذا جد جدهم
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدرُ
حقاً اذا كنا قد افتقدنا البدر المنير الرفيق المناضل مطيع بعد أن قدم لنظامنا النصايح بالحد من التطرف ، والقيام في اصلاح ذات البين ، والتصالح مع اشقائنا الجيران ، وتطبيع العلاقات الدبلوماسيه معهم ، ولكن للاسف تم رفضها من قبل اللوبي الذي اخترق نظامنا من وراء الجدر ، بل وتعرض الرفيق مطيع للمضايقه والسجن ، والاعدام ظلم وعدوان .
لذلك فان فقيدنا الشهيد مطيع سيظل في الحقيقه حي بسجله الايماني والوطني وسيرته الحميده ، واخلاقه الفاضله ، انه حي بمواقفه الوطنيه ، وعلاقاته الدوليه المرنه والمتزنه والمعتدله ، ودعوته بتطبيع العلاقات مع اشقائنا دول الجوار ، وتقديم نصايحه القيمه والايجابيه التي كان ينصح بها الجميع (ولكن لا حياه لمن تنادي).
حقاً انه حي في وجداننا وذاكرتنا ، انه حي باهله واسرته الكريمه واخوانه ، و رفاقه و اصدقائه ومحبيه و مواطنيه .
فكل من عايش الرفيق الشهيد مطيع ، يستشرف طلعته البهيه ، وتمسكه بالتعاليم الاسلاميه السمحاء ، ومواقفه النضاليه والتحرريه والوطنيه ، و اعماله الخيريه و الاصلاحيه والاجتماعيه ، والاخلاق الفاضله ، وصدقه وشجاعته ، يقول الحق (لَا یَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَاۤئمࣲۚ).
كان يقف مناصراً للمظلومين والمستضعفين ، و ضد الاعمال التعسفيه التي كان يقوم بها المتطرفون في مناطقنا ، لقد كان رفيقنا مطيع يمثل نموذجاً فريدا في القياده الرشيده ، والحنكه السياسيه والدبلوماسيه ، وتحليه بالوسطيه والاعتدال ، و الوفاء و التواضع والحلم والامانه ، و الشهامه والمرونه.
ذلك أنه حينما اخلدت روح فقيدنا الوفي ، ورفيقنا الشهيد مطيع الى ربها راضية مرضية ، حينئذ تتجدد حياة وشخصية وسيرة فقيدنا المثاليه والنموذجيه ، بين أهله واخوانه و رفاقه و محبيه ومواطنيه ، و كأن فقيدنا و رفيقنا مطيع بشخصيته المثاليه و النضاليه و سيرته العطره يعيش بين اوساطنا.
طبت يا رفيقنا الشهيد مطيع حيا وميتا.
ختاماً ، ربنا يتغمد شهيدنا المناضل الرفيق محمد صالح مطيع ، بواسع رحمتة وغفرانه ، ويسكنه فسيح جناته ، مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تقديم / الشيخ يحيى عبدالله قحطان المفلحي.




