المستقبل وإنشتاين وعبدالله الحو
يُحذّر كثيرًا من العلماء بأنّه إذا ظلت الألة تتابع تتطورها دونما قوانين رادعة تُجبر الشركات المصنعة لها على الالتزام بمعاير أخلاقية تحد من دورها المتنامي في الطبيعة، فقد ربما تفضي في الأخير بتحويل الإنسان إلى عنصر خامل لا معنى لوجوده، فالذكاء الاصطناعي أصبح في عصرنا الراهن يتطوّر بشكل مطرد ومتسارع وبين يومًا وآخر يُكشف النقاب عن صرخة جديدة يشهدها هذا المجال، ومن ذلك ما ساقه أخيرًا مالك العديد من الشركات الرقمية الملياردير (إلن مسك) عن التوصل لتصميم رقاقة إلكترونية تُزرع على سطح الدماغ عن طريق ربورت اصطناعي يحدث فتحة صغيرة في الجمجمة ويتم شحنها عن بعد وبإمكانها أن تسهم إسهامًا مباشر في حل مشكلة فاقدي البصر والسمع، ومن خواصها الأندماج مع الجهاز العصبي للدماغ نفسه ومن ثم قراءة الأفكار وتحويلها من إشارات عصبية إلى إشارات ضوئية يتحكّم بها الشخص ذاته في الأجهزة الذكية وعن طريق التطبيقات المحملة على هذه الرقاقة كقيادة السيارة مثلًا وفتح المنزل والتلفزيون وغيره من الخدمات ودونما حاجة لإستخدام المنعكسات الحركية والإيماءات الحسية، وهذا ما يعني بأننا أصبحنا على مسافة قريبة من ظهور الإنسان الرقمي الذي سيعيش متّسعًا من الخيال لا حدود له.
سمعنا وقرأنا عن ما أطلقة بعض الناشطين الاجتماعين من مبادرة تهدف لتحرير الأبوة ٱي نزع حق إنتساب المواليد لأسلافهم ومنح كل واحد منهم لقب رقمي بعيدًا عن الصفة الشخصية للأب والأم وصولاً للعشرية والقبيلة وما إليها من الهويات والقوميات المختلفة، وبالمعنى توحيد سكان الأرض في كتلة واحدة أسم ونسب الفرد فيه الرقم وقوميته أدم عليه السلام، لكن هذا المبدأ برغم أهميته إلا أنه لم يلقى من طرف رواجًا يذكر وأستخفّ به مثل ما أستخفّ قبله بصطلح العولمة، وبمسألة سيادة الرقمية الإلكترونية قد ربما يومًا من الأيام يعاود الحضور والتمكين من جديد، فهي الكفيلة بمن ستجعله خيالًا ذا حقيقة محفّزة الجميع للأمتثال كرهًا وطواعية له..وكتيسيرًا لهذا الطرح لو أن عادل المدوري ومنصور الصبيحي وصبري عسكر ولدوا في زمن سادت فيه الرقمنة وطغت على كل شيئ في حياتنا فصفاتهم المكتسبة لن تكون على هيئة ما يُعرفون بها اليوم فلكونها غدت عبارة عن أرقام بشرائح مدمجة يتم التفاعل سلبًا وإيجابًا معهم عبرها.
من قبل ثلاثة إلى أربعة عقود كنّا نتبادل الرسائل عن طريق البريد التقليدي نكتب على الظرف ٱسم الشخص المُراد وصول الرسالة والطرد له ثم نرفقها بعنوان بلده ومدينته ومنزله، وبميلاد النت تحوّلت أغلب رسائلنا إلى البريد الإلكتروني وهذا كان أول مرحلة من مراحل إنحلال الهوية التقليدية وإحلال محلها الهوية الرقميًة العابرة للجفرافياء.
البعد النظري من هذا الطرح يتلّخص في التحوّل من الواقع المحسوس إلى الخيال المرئي، فهناك يوجد نظرية تعود للعالم الفزيائي إنشتاين المشهور بالنظرية النسبية، وتلك قد لايعرفها إلا المهتمين والقليل من الناس وتقول: “الخيال أهم من المعرفة. فمن حيث الاعتبار ظلت حبيسة الادراج ردحًا من الزمن فلم تجد حيّزًا من الظهور إلا بعد إختراع النت وإنجاز صناعة المحتوى الرقمي ليبدأ نفض الغبار عنها والتقليب في حيثياتها.
والمستقبل على ضوء ما يكرّس من أحداث علمية تعمي البصيرة يصعب التنبؤ به ولكن المؤكّد فيه بأن شكل حياة الإنسان على هذا الكوكب صارت على وشك إنقلابات وتحولات كُبرى تتسق مع أفلام الخيال العلمي، فكثيرًا من العلماء يتوقّع بأن نصف الوظائف المتاحة حاليًا في غضون عقود قليلة سيشغلها الذكاء الاصطناعي، وقد ربما لاحقًا يأتي على البقية ليستحوذ على كل نشاطاتانا الحياتية فبعدها لم يعد لنا حاجة نداري الواقع وعلينا التحوّل للعالم الافتراضي.
ما سلف من القول هو عن المستقبل وإنشتاين…أما الدكتور عبدالله الحو مسؤول اللجنة التحضيرية لمؤتمر صحافة وإعلام الجنوب فشأنه قد لا يختلف كثيرًا، فهو من وقف في سمنار جانبي يتلّمس رؤى وملاحظات ممثلي أعضاء محافظة لحج وذلك بخصوص الوثائق المقدمة للمؤتمر، ليطلع له الإعلامي صدام اللحجي فيأخذه بعيدًًا عن الهدف مستعرضًا ما يعانيه الصحافي والإعلامي الجنوبي في ظل الحرب من مشاكل ومعوقات، ثم يدخل إعلامي أخر على الخط فيقول: بأن ما منح للبعض منهم قد لايساوي إلا القليل عن ما صرفوه من مبالغ وأسرهم أحوج ما تكون بها.. هنا يقاطع الدكتور عبدالله الحو الجميع مذكرًا بنظرية البرت إنشتاين التي أتينا على ذكرها سابقًا وتقول بأن الخيال أهم من المعرفة مطالبًا الجميع بأن يرتفعوا لمستوى الحدث وليكبروا فيتخيلوا المستقبل بعكس ما هو سائد اليوم…. فجأة ويرن تلفون صاحبنا ولم يمر من وقت اللقاء سوى حوالي عشر دقائق لينحني بخطوات قليلة جانبًا ومن ثم يعود مرة ثانية يلملم أوراقه معتذرًا بحجة طلبًا مستعجل من علي الكثيري ناطق الانتقالي ومرشدًا الجميع بتحرير ملاحظاتهم وتجميعها لدى نفرًا يختاروه من بين الحاضرين.
نعما دكتورنا العزيز والغالي هو كذلك، فعلى الجنوب قد كان لنا السبق بالهداية للعالم الافتراضي متلاهين به تلاهيًا يكبح المعرفة كبحًا غير عادي، ولكن ليس على تطبيق ميتاڤيرس ولا على خوارزميات إلن مسك وإنما نحاكيه ونقصّه منذ ثمان سنين عجاف بحدود دولة الجنوب، جيش وترسانة وإعلام وكل ما نقبضه بأيدينا، ولا إستباب إلى اليوم لجانب معيّن من حياتنا السياسية والمعيشية، نمسك بالأرض والهوية محرزين النصر للدولة الجنوبية خيالًا ونفقدها واقعًا، ومازال تقرّبها لنا مقايل القات من هو الآخر كتطبيق يجسّد أرقى معاني الافتراضيًة، وما قد مضى وحاضر يشهد على ذلك.




