رحيل صاحبة التاج وخلود تاجياتنا العربية

أيقظ رحيل صاحبة التاج البريطاني ورابطة الكمنولف الملكة إليزابت الثانية كثير من التساؤلات لدى الشارع العربي عن المآلات الأخيرة لممالك العربية المطلقة، والتي لا زالت تحتكر كل واحدة منها على حِدة جميع السلطات في شخصًا واحد ترشّحه العائلة الملكية عن طريق البيعة بعيدًا عن إرادة الشعب؟.

وللمقارنة فالتشابه كبير بين ما يحصل في عالمنا العربي اليوم وبما ساد أوربا على قرون منصرمة حكمت فيها الملكيّات والأمبرطويات بالحديد والنار، فكان وقتها لا مجال للديمقراطية وتنفّس الحريات إلى في مؤلفات الفكر الفلسفي لسقراط، فالكنيسة الارذوكسية ظلت على الدوام هي الحارس القوي الذي يصد كل من تسوّل له نفسه المساس بفكرٍ جامدٍ ومتزمّت استمر قرون من الزمان تتبادله بينها وبين السلطات المركزية، وقد أوقع بكثير من الضحاياء وأبرزهم العالم الفلكي الإيطالي غاليليو من أعدم نتيجة محاولته إثبات نظرية كروية الأرض خلافاً للمعتقد السائد أنذاك ولذي يروج من قبل الكنيسة نفسها عن سطحيتها ومركزها بيت المقدس بفلسطين.

ليأتي التغير على ظهر ما انتجته النهضات الأوربية من مستوى نضوج فكري وسياسي أندرج حينها ضمن مصفوفة المبادئ والقيم الإنسانية العالمية، ولعب في ما بعد دورًا رئيسيًا في تطوير بنيوات جميع أشكال الحكم متخذًا من الجمهوري والملكي مساران دستوريان متوازيان.

وبريطانيا كانت حينها أحد المتأثيرن بذات النهج، وقد انحنت بقوة له، لكن بخلاف بلدان أطيح بأنظمتها بشكل كامل ليتمكن قصر برمنجهام أن يتجنب منزلق السقوط محتفظاً مع الشعب بعلاقة رمزية لازالت حميميتها تسري إلى هذه اللحظة وكان للملكة إليزابت الراحلة على مدى سبعون عام الفضل الكبير في تعزيز أواصرها.

وبما بتنا نشهده من طفرات تكنلوجية متسارعة حفّزت شعوبًا في أماكن عدة من المعورة للخروج من بوتقة التغريب والارتهان الفكري وللانفتاح على خيارات ومسارات سياسية متنوّعة، لذا كان من الطبيعي بأن مطلب المواكبة والارتقاء بشؤون الحكم أمرًا تصعّده باستمرار المتأخرة والمتخلفة عنها.

لكنه قد يختلف الاستعداد للقبول بذلك بين بلدًا وآخر وعلى حسب العوامل التي تدفع هذا الحاكم او ذاك للإقتناع بالتنازل عن كامل او جزءًًا من صلاحياته لصالح الشعب، ولاسيّما منها الممالك العربية من يعد ملوكها أكثر ملوك العالم تشبّثاً بالعرش، والمسألة غدت من قبلهم ذات حساسيات مفرطة وتفرض عليهم للحيلولة دون ذهاب السلطة من بين أيديهم بممارسة طقوس وأساليب أكثر صرامة وحزم تجاه شعوبهم.

وإذا آمنا بحتمية التغير في مضمون وشكل الدولة بأنه قادم لا محالة وفقًا لكثير من المعطيات التي باتت تجري من حولنا، ولتضمحل ممالكنا او تتحولّ إلى رمزيات مُلهِمة تجمعنا بحبها وبحب وطننًا مسحوق بالحروب وبالأزمات والكوارث، فالأمر إلى الآن لايعد كونه ليس اكثر من بعد نظري، بأنها تلك تجنبًا لنفسها السقوط ستقبل يومًا ما بِحسر نفوذها طواعية أسوة بما حصل من سابق زمننا هذا بكثير في المملكة المتحدة بريطانيا.

CATEGORIES