ثابت القضيبي بين سطور مقالة للذكرى
من منطلق أحساسي بأمرِ فادح يترصد بثابت وأستشفته من خلال عنون المقال الأخير الذي كتبه ( وأخيرًا ياقيادتنا ) بما جعلني أوأرشفه للذكرى ولم أؤأرش له مقال من قبل.. مقال يعد بمثابة صرخة مدوية أطلقها وكأنه أحس بأنها الصرخة الأخيرة في حياته، ليفيدنا بأنه سطّر مسودة تحكي عن واقع الناس وبؤسهم اليومي وقد كان بصدد طباعتها لولا أنه دُعي فيها على حسب ما أشار من قِبل عزيز عليه لمقابلة مسؤولين في الانتقالي وقِبل هو بدوره تلبية الدعوة منوهًا بأن ذلك على خلفية ما يكتبه ويتناوله إعلاميًا..
ولمن أسعفه الحظ مطالعًا في المقال وما سبقه بأيام من مقالات واحد بعنوان على طاولة الإنتقالي وآخر يطحنونا طحنًا سيلاحظ كيف كل سطراً من سطورهما ينضح بالأسى وبالحسرة، وإن قُطّعت أوصالها حروفاً فكل حرف يتحول بمفرده رصاصة خارقة اولًا وقبل كل شيى خرقت صدر صاحبها قبل أن تخرق صدور الآخرين!؟.
ويقيناً مني عن ما كتب وأبدع بأن الكبت والغبن قد بلغ منه مبلغًا وحتمًا هو غدى من حينها يسير به إلى المجهول، ليلحق مسرعاً فيطلق لقلمه العنان يبوح بما أحتواه صدره وكيانه الإنساني من إعتمالات وهموم عاش سنين في ثبات عليها وصابرًا يطويها بالكتمان، إلى أن أحس بدنو أجله وخشية أن تموت وترحل معه صار يقذفها قذفًا مقالاً تلو الآخر وبلا خوفاً ولا وجل، ليتوارى بعدها عن الأنظار إلى غير رجعة بضميرٍ راضٍ ونفسٍ راضية.
أحيانًا قد لا يفهم الكاتب إلا كاتب مثله حساس للمعاني مترجمًا للإشارات، فواقع علو هامة ثابت وشرفه الصحفي جعله منحاز لطرف المظلومين والكادحين إلى آخر لحظة من حياته، فلم يسمح لقلمه بتلميع وتصوير الأمور على غير حقيقتها، فدائماً هو كعادته يأخذ بالأقرب تأثيرًا مقصده في الأول والأخير أن يرمي الطالح ويروم الصالح للناس من حوله، لذا وجدناه يعاني من معاناتهم ويتألم من ألآمهم ويفرح من فرحهم، وشتان بين ذا وذاك.
أورد فقيدنا وكاتبنا القدير في فقرة من فقرات المقال: أن مساحة الأمل تضيق بالإحباط لدى المرء وتخنقه” مستدلّاً بما يعانيه هو… بنت مريضة وأظنها بالسرطان وأخرى في جامعة مُكلّفة ثم شركة نفط يعمل بها متوقّفة عن العمل، لا ولم يغفل عن الواقع وما آلت إليه الأوضاع جنوبًا من شقاءٍ وتعاسة وحرمان منوهًا بالقضية الجنوبية وإخفاقات قادة الانتقالي وضعف أدائهم حيالها، بما قلّص مساحة الأمل لديه ومن عودة الجنوب عبرهم، وكل هذا ياسادة يضعنا أمام حيرة من أمرنا أليس كذلك.
فوداعًا ثابت وحشرك مع الصديقين الأفياء وتعازينا لكل ذويه ومحبيه فما بوسعنا إلا أن نقول إن لله وإنّ إليه راجعون.




